رغم أن الرئيس الامريكي المثير للجدل دونالد ترامب قدم لاسرائيل ما لم يقدمه أحد لها من قبل ، بدءا من زوج ابنته لليهودي جاريد كوشنر وعينه وزيرا لخارجيته، ثم قراره بنقل سفارة بلاده الى القدس واعترافها بأن كامل المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل، ومعها الجولان السورية المحتلة ، ثم تدبيره لصفقة القرن التي تنهي القضية الفلسطينية صالح اسرائيل ، نهاية بموجة التطبيع الاجباري التي فرضها علي “أثماله” العربية مع هذا الكيان، رغم كل ذلك لم يحظى ترامب برعاية اللوبي اليهودي في امريكا على ما يبدو ما تسبب في سقوطه الذريع .
تأثيرات انتخابية
تشير المعلومات الى أن هناك اكثر من 6ملايين يهودي يقطنون في عدد من الولايات والمدن الامريكية المهمة مثل نيويورك ولوس انجلوس وميامي وسان فرانسيسكو وشياغو ، واغلب تلك المناطق صوتت لجو بايدن في الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة وأن هذه الجالية اليهودية كان بامكانها بمفردها أن تحقق الفوز لترامب لو صوتت له في تلك الولايات وحققت التعادل بينه وبين بايدن بحيث يتم خصم هذا العدد من الـ 86 مليون الذين صوتوا لبايدن ويضافوا للأصوات التي حصل عليها ترامب ليصل عدد المصوتين له الى 80 مليون شخص ، فضلا عن قوتها الاجتماعية والاقتصادية التي كان يمكن استخدامها لاقناع أو اجبار شرائح أخرى من غير اليهود للتصويت له.
وبالطبع كل ذلك كان سينعكس ايجابا على اصوات ترامب في المجمع الانتخابي.
بالقطع ستثير تلك التكهنات دهشة الكثيرين واستنكارهم لها ، فلماذا يقابل اليهود اليد التي امتدت لهم بالعرفان بهذه الضربات الموجعة؟ وهل فعلوا ذلك كرها لترامب ام حبا في بايدن؟
تأثيرات عقائدية
يرد الداعمون لهذا التوجه بمعلومات اكثر غرابة تتعلق كلها بالتوجهات الدينية لكل من الصديقين “اللدودين” والذين جمعت بينهم الايديولوجية الدينية وهى التي فرقت بينهم أيضا في أخر المطاف.
فمن المعروف ان ترامب واحدا من الرءوساء الامريكيين الذين عرفوا بتأثرهم بشدة بمرجعيتهم الدينية البرستانتيه المشيخية ، وانه توجه الى الكنيسة القريبة من البيت الابيض حاملا الانجيل حينما داهم المحتجون الرافضون لسياساته المكان ليعلن للعالم تمسكه بوجهته العقائدية في بلد يتحلى ولو شكليا برداء العلمانية.
وحتى حينما هاجم انصاره مقر الكونجرس بعد اعلان فوز بايدن كان كثيرون منهم يحملون صلبانا ،وبينهم عدد من العرافين وقراء الحظ والطالع، وقيل انه كان بينهم قارئ الطالع الخاص بترامب نفسه.
ويقولون ان تدين ترامب بهذا المذهب – كما يقولون – جعله يؤمن بشكل جازم بضرورة وقوع معركة “الهرمجدون” او معركة “نهاية العالم” التي ستحدث بين السيد المسيح “عليه السلام ” بعد عودته الثانية كممثل لقوى الخير، ويين من لا يؤمنون به وسيفنيهم جميعا في “مدينة القدس” كممثلين لقوى الشر.
“مع ملاحظة أن وقوع تلك المعركة الفاصلة بين قوى الخير والشر في نهاية الزمان يؤمن بها انصار الديانات السماوية الثلاث ولكن يروونها بطرق مختلفة وكل فصيل بنسب الانتصار فيها لنفسه”.
الجديد هنا أن ترامب – بحسب المؤمنين بهذه النظرية – يعتقد أن اليهود من ضمن قوى الشر التي سيتم افنائهم، وأنه مع تخريب مدينة القدس لابد من تدمير هيكل داوود” أو”سليمان”.
ونظرا لأن هذا الهيكل غير موجود كي يتم هدمه ، فإنه من الضروري مساعدة اسرائيل لبسط سيطرتها الكاملة على كامل مدينة القدس، وتمكينها من اعادة بناء الهيكل أو العثور عليه أسفل “المسجد الاقصى” من ثم تهيئة الأجواء لعودة المسيح وهدمه، وتخريب القدس ،والقضاء على كل قوى الشر يهودا ومسلمين.
ولليهود سببا اخر للخلاف مع ترامب ، وهو أن الرجل يؤمن تماما بوجوب سيطرة الجنس الابيض على الحكم في امريكا بعدما افقدتهم “سياسة التجنيس والهجرة والمعايير الديمقراطية” السيطرة على مفاصل الحكم هناك ، بينما اليهود لا ينتمون للجنس الابيض ، وهم ايضا يؤمنون بانهم الافضل لكونهم “شعب الله المختار” كما يزعمون.
لذلك رأي اليهود أن اكتمال نصر ترامب وتمكنه من احداث تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية عميقة في امريكا وفي العالم لن تصب في النهاية لصالحهم.
الساسة الامريكيون ومعركة النهاية
والحقيقة ان هناك الكثير من الساسة الأمريكيون ينتهجون نهج ترامب ، وبحسب كتاب “النبوءة والسياسة” للكاتبة الأمريكية جريس هالسيل فإن النبوءات التوراتية تحولت في امريكا إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية وكلهم يعتقدون قرب وقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح.
وفي هذا المعنى تحدث الرئيس الأمريكي ريجان عام 1980م في مقابلة متلفزة أجريت معه مع الاعلامي المسيحي المتدين جيم بيكر قائلا: “إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون”.
وفي تصريح آخر له: ان هذا الجيل بالتحديد هو الذي سيرى هرمجدون.
أما الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش فقد نقلت عنه مجلة دير شبيجل الألمانية عام 1988 قوله “منذ ذلك الوقت أصبح بوش واحداً من الستين مليون أمريكي الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح وهذا ما دعاه إلى القول: بأن المسيح هو أهم الفلاسفة السياسيين في جميع الأزمنة لأنه ساعدني على التوقف عن شرب الخمر”.
ويتضمن كتاب “لو كررت ذلك على مسامعى فلن أصدقه” لمؤلفه الصحفى الفرنسى “جان كلود موريس” أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكى “جورج بوش الابن” والرئيس الفرنسى السابق “جاك شيراك”، والتى كان يجريها الأول لإقناع الثانى بالمشاركة فى الحرب التى شنها على العراق عام 2003، بذريعة القضاء على “يأجوج ومأجوج”.
ويقول مؤلف الكتاب ان بوش الابن كان من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وكان مهووساً منذ نعومة أظفاره بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس فى المعتقدات الروحية المريبة، وفى مقدمتها (التوراة)، ويجنح بخياله الكهنوتى المضطرب فى فضاءات التنبؤات المستقبلية المستمدة من المعابد اليهودية المتطرفة.
وفي عام 1991 واثناء الحرب على العراق نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الحاخام «مناحيم سيزمون»، الزعيم الروحى لحركة حياد اليهودية، مفاده بأن أزمة الخليج تشكل مقدمة لمجيء المسيح “اليهودي” المنتظر.
وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدرفي قبرص عام 1990 يقول:توجد هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في امريكا وكل دول العالم تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون، وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد دولة إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين.
وهناك في الحقيقة العديد من التصريحات التي يدلي بها مسئولون أمريكيون وغربيون تكشف عن سيطرة هذه العقيدة على سياستهم الخارجية والداخلية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق