الثلاثاء، 30 مارس 2021

سيد أمين يكتب : تفسيرات روحية لحالة الأمة المزرية

 

يذهب بعض بسطاء السوريين إلى أن سبب تفشي القتل والموت في سوريا يعود لاستجابة ربانية لدعاء درج السوريون للتخاطب به بعضهم البعض، ويقولون أن لفظة "الله يقبرك" وتعني أن "تموت وتدفن في القبر" ، وانها هي من تسببت في كل شلالات الدم التي تساقطت في سوريا ،حتى وإن كان يتم التخاطب به بين الأهل والأصدقاء على سبيل الدعابة ودون قصد.

فيما يدعمهم أشقاؤهم من بسطاء المصريين ويؤكدون تصديقهم لهذه المدلولات والتأثير للكلمات العابرة لدرجة توجب عليهم الرد على من يقول شيئا سلبيا بعبارة "فال الله ولا فالك" وذلك لكبح التأثير السلبي لكلماته السيئة، ويقولون أن الدعاء بـ"خراب البيت" الذي يردده المصريون بشكل فيه شئ من الدعابة والتلقائية في أحاديثهم ، هو ما تسبب في أن تكون مصر هي من الدول الأعلى عالميا في منسوبات الطلاق بين الزوجين وتفتت الأسرة و"خراب البيوت"ـ ويختزلون الأمر برمته بعبارة "السم في اللسان".

ويؤكد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى عندما أخبر بأن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يدخل بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً،  فيما يقل الله في محكم كتابه "ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد".

الغريب أنه رغم كون مثل تلك التفسيرات عن تأثير الكلام تعتبر في شق كبير منها أشياء "لا معقولة" إلا أن علماء نفس غربيون راحوا يبحثون عن جانب علمي لها .

فقد نشرت مجلة "جورنال سايكولوجيكال ساينس" الامريكية بحثا عام 2008 توصل فيه باحثون نفسيون إلى أن هناك جانباً في المخ قد يكون مسئولا عن التجارب والكلمات المؤلمة التي يتعرض لها الإنسان وهو القشرة المخية التي تقوم بعمليات معقدة تشمل التفكير والإدراك واللغة وإن هذا الجزء من المخ يحسن قدرة الإنسان على التكيف مع الجماعات والثقافات كما أنه مسئول عن رد الفعل على الألم الذي له علاقة بالجماعة.

الدعاء على الظالمين

قديما وحتى وقت قريب – وربما لا زال – كانت النظم الحاكمة في العالم تجبر الأئمة في المساجد ، والقساوسة في الكنائس ، والرهبان في المعابد ، بالدعاء للحاكم أو الملك أو السلطان وبعض النافذين في الدولة بالسداد والنصر وتمام الصحة وطول العمر.

لذلك لم تعتري أمثال هؤلاء، وبعض المشتغلين في علوم اللاهوت والروحانيات والميتافيزيقا ، الدهشة كثيرا حينما عاقبت السلطات المصرية الداعية الإسلامي واسع الصيت محمد جبريل قبل أعوام بسبب دعائه على الظالمين رغم أنه تجنب الاقتراب من الحاكم أو الحكم أو المتنفذين في الدولة، لأنهم يعلمون تأثير هذا الدعاء القطعي، كما تندرنا جميعا حينما صدرت الأوامر شفاهة لأئمة المساجد تحرم عليهم الدعاء على الظلمة والظالمين ، فاختفى هذا الدعاء تماما من منابر مساجد الدولة ، واعتبرناها دليلا كافيا على من أمر.

وفي تصوري أن القرار جاء انسجاما لرؤية ميتافيزيقية خارقة للطبيعة مفادها أن إجماع الناس على الدعاء بأي شئ لابد أن يتم الاستجابة ، ولذلك فان الدعاء بطول العمر وجعلها كلمة مقترنة بأسماء الأمراء والملوك لا سيما في الخليج ، يوحى بوجود توصيات من خبراء في الميتافيزيقا ورجال الدين بذلك.

وربما يكون الأمر قد تجاوز ذلك للدرجة التي تجعل من أنه متى تحقق إجماع أو شبه إجماع بين الناس على وجود "بركة" أو استجابة أو فك كرب أو قضاء حاجة في "شجرة أو شيخ أو مكان أو في فعل معين" فان ذلك أيضا يتحقق بدرجة ما.

ولعل التفسير الذي يذهب إليه بعض المصريين حول سر المثل الشعبي "احنا دافنينه سوا" يشير إلى هذا المعني بشكل كبير.

حيث يقولون أن أخوين فقيرين كانا يمتلكان حمارا أطلقا عليه لقب "أبو الصبر" لشدة صبر على معاناته معهم ، وكان يمثل كل ثروتهما ، فلما مات حزنا عليه بشدة ودفناه وأقاما عليه خيمة ليبكيان تحتها ، ولما سألهما المارة قالوا أنهما يبكيان لموت "أبو الصبر"، فتعاطف معهم الناس وظلوا يشاركونهما البكاء ظنًا منهم أنه رجلا صالحا صاحب كرامات فأغدقا عليه بالقرابين ورووا عنه الكرامات لسنوات ، ولم يفتضح أمره إلا حينما اختلف الشقيقان حول قسمة تلك العطايا وأراد أحدهما أن يحوز أكثر من الآخر فاخذ يقسم بمقام "أبو الصبر" انه الأكثر اجتهادا وخدمة للمقام ، فنهره الأخر بين الناس قائلا "نسيت الحمار، داحنا دافنينه سوا".

هذا هو احد التفسيرات مع إنني لا أجزم بصحتها.

الفعل العكسي

ويقول بعض المنجمين ومفسري الرؤى والأحلام أن قصك لرؤياك لكارهيك تجعلها تنقلب عكسا عليك، فإذا حلمت بشر حاق بك وقصصته عليهم يذهب شره ، خاصة أنهم يؤكدون أن الرؤيا السيئة تقع في خلال ثلاثة أيام على الأكثر من حدوثها وبعد ذلك تفنى.

وهذا فيما يبدو هو السر الذي يجعل الفضائيات العربية لا سيما المصرية والمعروف بتمكن أجهزة المخابرات منها بشكل كامل تحفل في مطلع كل عام جديد بأخبار الرؤى والأحلام وقراءات الطالع والفلك والنجوم التي تتحدث عن المؤامرات ومحاولات الاغتيالات التي ستطال قادة بلدانهم ، وكأنهم يعلنونها على الملأ لتفشل.

فقد خلق الله الطريقين ، طريق المنطق وطريق اللا منطق، فعلم الإنسان المنطق بأن منحه العقل ، فسعى ونمى ، وفي أي مكان أو زمان يفعل المنطق ما تعجز عنه كل الألسنة واللغات في تسهيل التفاهم بين الناس وتوسيع أرضية المسلمات بينهم حتى صاروا يختلفون في كل شيء تقريبا ولكنهم يتفقون حوله ،ولذلك نجد الباغي الغاصب لاملاك غيره لا يقوم بالطعن في مسلمات المنطق حول قواعد التملك ولكنه يسعي إلى منطقة حجته في الاغتصاب وإسباغها سبغة العدل.

وعلم كائنات أخرى لا نعرفها اللامنطق وجعله طريقها فسعت ونمت أيضا، ولذلك فان كل ما يفتقد للمنطق يشار إليه بأنه قد مسه السحر فتغيرت خواصه وحواسه، ولو تفرغت لدقائق لتنظر حولك بقليل من التركيز حول ما هو منطقي وما هو سحري لاكتشفت الكثير.

وتبقى الحقيقة بأن كل ما قلناه من قبل قد يكون شعاع هارب من عالم اللامنطق نحاول أن نبحث له عن تفسير، وهو لا يفسر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق