الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

كتاب رؤي فى الوطن والوطنية - فصل رابع


الفصل الرابع
هموم الوطن

شبكة الرافدين 5 مايو 2009
عن التعليم وسياسة التقليم
لو تحدثنا عن التطور فبادئ لا يمكننا إلا أن نتحدث عن التعليم ..ولا يمكننا أيضا- مرضاة للضمير وكتعبير عن الصدق - إلا أن نقول إنه لا يمكن أن تتقدم أمة من الأمم دون أن تمتلك منظومة تعليمية سليمة تراعي أول ما تراعي ربط حاضر الإنسان بماضيه وذلك علي اعتبار أن فهم واستنهاض الماضي هو دراسة مكثفة لاستدراك المستقبل.
والحقيقة أجد سوء فهم واضحاً يعتري ذكاء القائمين علي التخطيط لرسم تلك المنظومة في عالمنا العربي عامة وفي مصر بشكل خاص لدرجة تشكك في صحة وجود هؤلاء المخططين أو تلك المنظومة فى الأساس وإلا فان لم يكن هذا الشك سليما لكانت الكارثة وخرج الأمر من طور التعليم إلى طور الخيانة. فقد يجد هذا المسئول أو ذاك نفسه يمارس -بكل فخر-عملية خلع الأردية والتعري من كل ما يستر أمام العيان ويروح يتهجم على كل ما له صلة بالماضي متشدقا بمصطلحات هو ذاته لا يدرك معناها من قبيل التحديث والتطوير والتنوير والانفتاح على العالم ,وبالطبع تنعكس تلك الرؤية المشوشة على مناهج التعليم التى أعطى - بكل أسف - مفاتيح إقرارها,فنكتشف أنها باهتة فلا هى استنهضت الماضي الذى لا نملك سواه ولا استشرفت المستقبل الذى نجهله ولا حتى استطاعت أن تكشف غبن الواقع الذى نعيشه فننتصر عليه. ويعتقد هذا المسئول او ذاك انه كلما أهدر التاريخ أو زيفه أو سخر منه فهو بذلك ينتصر على "العفن"وانه كلما تحرر من ثقافته العربية صار بذلك رجلا غربيا متطورا ينتقل بأجيال بلاده الى المدنية.
إنها حالة من جلد الذات والشعور بالدونية,وإلا فبماذا نعلل انتشار المدارس الأجنبية والخاصة والتجريبية فى طول البلاد وعرضها وهى جميعها يتم التدريس فيها للنشء بدءاً من رياض الأطفال باللغات الأجنبية بل ان مناهج اللغة العربية والدين والتاريخ لا تدرس فى بعضها أساسا ولو درست يتم التعامل معها كما كان -وربما مازال- يتعامل جيلنا مع حصة الألعاب بحيث لا يحضرها أحد ولا يحاسب على التقصير فيها لا المدرس ولا الطالب بل ربما تمت مكافأة الناظر.
لقد أنتجت الرؤية المشوشة والمنظومة المعدومة تلك جيلاً أقل ما يوصف به أنه "مسخ" فلا هو أوروبي ولا عربى , ولا هو متعلم ولا جاهل , ولا هو يعرف من أين هو آت ولا الى أين هو ذاهب ولا حتى يعرف عدوا ولا حبيبا بل هو شخص يحمل شهادة الإعدادية منذ نحو 30 عاما مضت يمتلك وعيا وثقافة وعلما افضل من حامل لشهادة الدكتوراه هذه الأيام.
أنتجت جيلا أميا يحمل "اغلي"الشهادات وأعلاها وأقل الثقافات والعلوم وأدناها وبرغم ذلك ستجده جيلا لا يكاد يستطيع القراءة والكتابة لا بالعربية ولا بالإنجليزية ولا حتى بالصينية, وأنا استطيع وبكل ثقة أن أجزم بأن اختبارا فى القراءة والكتابة - بأية لغة من اللغات-كفيل لأن يعيد معظم خريجى الجامعات المصرية الآن إلى المراحل الابتدائية مجدداً .
وأنا واثق أننا سنجد من بيننا من يدافع-بحسن نية-عن التوسع فى تعليم اللغات الأجنبية بذات الحجج التى قد يسوقها المغرضون من ضرورة الانفتاح على العالم واللحاق بعلوم العرب بلغتهم فضلاً عن أنه من تعلم لغة قوم أمن مكرهم وللرد على هذه الادعاءات وما شابهها.
أنا اعتقد انه لم ولن تحول اللغة العربية بتعدد مفرداتها وعمق دلالاتها دون النهضة والتطور بدليل ان عمليات تعريب العلوم التى انتهجتها الحكومة المصرية فى عهد عبد الناصر وعراق صدام حسين - ومازالت تنتهجها سوريا - هى التى خرّجت للعالم فاروق الباز وأحمد زويل ومجدى يعقوب ومحمد النشائى ويحيي المشد وغيرهم من علماء كما أنها هى التى خطت للعراق سجلا حافلا من العلماء فى شتى العلوم جعلت العالم الغربى يعيش حالة قلق شديد من ذلك النمو المذهل الذى اعتبرته أنه يشكل خطرا تنافسيا عليها وكان ذلك احد الأسباب التى قادتها لغزو العراق.
إذن, فالعربية ليست ضد التحديث كما أنه ليس المطلوب من المواطن العربى أن يصير شخصا غربيا حتى يتمكن من اللحاق بركب المعرفة والعلوم ولكن الأكثر منطقية أن تتحول العلوم نفسها إلى العربية ونفعل كما فعلت أمم كثيرة من قبلنا مثل الصين واليابان وروسيا وربما إيران حينما نقلت كافة العلوم إلى لغتها وطورتها بما يخدم ثقافتها دون خلع للأردية وسلخ للذات. كما أن القول"بأمن المكر"يحمل قدراً كبيراً من الإضحاك ما لم يكن السخرية فى حالتنا تلك لأننا بذلك سنشبه المخبر السري الذي جاء فى تقرير أعماله أنه كان ابرز أعضاء العصابة وقدم لها ما كان مستحيلا أن تنجزه.
وبعيداً عن مسألة المحتوى هناك أيضا فشل ذريع فى تمام سلامة الشكل التعليمى بحيث أفقدت العملية التعليمية محتواها فساوت بين مجتهد وغير مجتهد عبر نماذج التعليم المتعددة كالتعليم العالى المفتوح والانتساب والجامعات الخاصة وجميعها - بحسب اعتقادي - صور مقنعة لبيع وشراء الشهادات التعليمية دون استفادة تعليمية حقيقية للدارسين.
وتنتشر عبر الانترنت محادثات ربما كان أشهرها تلك المحادثة الهاتفية التى دارت بين أستاذ جامعى وأحد الطلبة الخليجيين فى القاهرة حيث جرى التعاقد على صفقة الشهادة مقابل الدولارات وحينما سألت بعضا من الطلبة الدارسين فى الجامعات أكدوا جميعا أن الشهادات تباع وتشترى مثلها مثل السيارات وقطع الأثاث.
بل إن المدارس الحكومية وهى قليلة عددا مقارنة بالمدارس الخاصة التى تمتص دماء الناس سنجد أن عملية التعليم فيها تمتاز بفوضوية خاصة تحولها – أى تلك المدارس – إلى أوكار للبلطجة والإدمان والرذيلة وكل ما ليس له علاقة "بالتربية " والتعليم.
قد يكون الأمر فيه قدر من المبالغة ولكنه بالتأكيد لا يخلو من الصحة , هذه هى الحقيقة.
إن فساداً رهيباً اعترى العملية التعليمية فى مصر فى الشكل والمضمون جعلها لا تؤتى إلا ثمارا مُرة .. فاقدة للولاء والانتماء والأخلاق بعدما تحولت هذه العملية من عملية "تعليم" إلى عملية "تقليم" من كل مواطن النبوغ والجمال والإبداع والوطنية.,
*****
الشروق 30اكتوبر 2008
تدمير نقابة الصحفيين المصريين
تشهد نقابة الصحفيين المصريين الآن حالة متعمدة على ما اعتقد من الهدم والتدمير وهو الأمر الذى كنت قد حذرت منه فى موضوعات سابقة منذ نحو عام .
وقد تسببت لجنة القيد فى  إفساد دور النقابة وتحويلها إلى ملجأ للهاربين من طابور البطالة الذى يغتال الشباب المصرى وذلك عبر قيامها بقبول عضوية نحو الألفين خلال العامين الأخيرين فقط الذى هو عمر المجلس الحالى برئاسة مكرم محمد احمد رغم أن تلك النقابة ظلت طيلة نحو نصف قرن لم يزد عدد أعضائها عن 5 آلاف صحفى!!!
نحن لسنا ضد توسيع باب العضوية ولكن المشكلة ان الأعضاء الجدد يتسمون إلا فيما ندر بالجهل المبرح والمخز والذى لا يتفق بتاتا مع الصفات الواجب توافرها فى الصحفى من خبرة وثقافة ووعى وموقف.
ولك أن تتصور أن العديدين من هؤلاء الأعضاء  الجدد لا يجيدون القراءة والكتابة  ومعظمهم من حملة شهادات الجامعات المفتوحة - هؤلاء الذين اجتازوا الثانوية العامة بأعجوبة وبمجموع لا يزيد كثيرا عن الـ 50% - وهو الأمر الذى لا يؤهل معظمهم للقراءة والكتابة أصلاً فضلا عن ضعف خبرتهم فى العمل الصحفى.
ولا أخفى عليكم اننى تعاملت بصفة شخصية مع عدد من هؤلاء الجدد فى الصحف المختلفة عبر عملى فى الديسك المركزى فوجدت منهم من يكتب كلمة دعارة مثلا (ضعارة) ويكتب (قال له) (ألوه) ويكتب(ولكن) (ولاكن) و(منذو) فضلا عن النفى باستخدام حرف الشين مثل قالش وراحش واقسم بالله أننى تعاملت مع إحدى هؤلاء الاعضاء الجدد فوجدتها تكتب موضوعاتها بالكامل عبر استخدام هذا الأسلوب بالإضافة الى ضعف مخز فى التعبير ولك أن تتخيل هذه العبارة(مجاش محمد عشان الراجل ادالوش وشه والو ميروحش النأبة تانى) وتقصد( محمد لم يأتى لأن الرجل اعرض عنه وقال له لا تذهب للنقابة مرة اخرى) الغريبة اننى اكتشفت أن هذه الزميلة المستجدة تحمل درجة الماجستير فى الإعلام وهى فى سبيلها للحصول على درجة الدكتوراه وأخذت أتساءل ترى إذا كانت هذه الشخصية هى المعلمة فكيف سيصير تلاميذها ..ولكن للجمال أحكام .. إننا بحاجة حقيقية لإنقاذ منظومة التعليم ككل فى هذا البلد الذى تعرض للانهيار بالفعل.
الأمر والأدهى أن هذا الشخصية تعد أفضل حالا من نماذج صحفية أخرى لا تستطيع الكتابة والقراءة بتاتا واقسم بالله اننى تعاملت فى إحدى الصحف مع عدد كبير من صحفييها ممن لا يستطيعون الكتابة مطلقا ولكن الواحد منهم يقوم بقص المعلومة لى بصفتى عضواً فى الديسك المركزى لكى أقوم بكتابتها صحفيا وهو الأمر الذى اندهشت منه فى البداية لكننى اعتدت عليه بعد ذلك واعتبرته بداية للصحافة( البقيقى) لدرجة اننى اقترحت مازحا أن يتم توزيع شريط كاسيت مع النسخة الورقية للصحيفة يحكى خلال الصحفى الخبر صوتيا.
وأظننى ترحمت  وترحم غيرى على ايام كان فيها أعضاء هذه النقابة رجالاً شوامخ  يحملون أفكاراً أنارت طريق مصر أمثال  محمد حسنين هيكل وزكريا الحجاوى وسلامة احمد سلامة وجلال عارف وغيرهم أما الآن فانا اقترح أن يتم إنشاء كتاب يتم فيه تعليم منتسبى هذه المهنة من المستجدين القراءة والكتابة  وان يتم غرس قيم الولاء والرغبة فى التثقف فيهم!!!!!!
ولا أخفيكم سرا أن هناك صحفاً مستقلة تقوم بتعيين رجال الإعلانات والإداريين والعاطلين مقابل مبالغ مادية تحصل عليها إدارتها نظير إلحاقهم بنقابة الصحفيين وممارسة عمليات النصب والابتزاز مما يدر عليهم أرباحاً مهولة تجعلهم يعوضون ما دفعوه فى اشهر معدودات ويبقى لهم بعد ذلك بدل التكنولوجيا وخدمات النقابة التى باتت جراء هذه الممارسات هزيلة جدا.
فى حين تقوم صحف أخرى - وهى فى الواقع معظم الصحف المستقلة والقليل من صحف الأحزاب الوهمية - بإجبار منتسبيها على تحرير استقالات مبكرة قبل قيامها بتثبيتهم والتأمين عليهم وتسخيرهم للعمل لديها بدون اجر لمدة سنتين أو ثلاث نظير إعطائهم فرصة الالتحاق بالنقابة وبعد ذلك تتركهم ليزيدوا من معاناة النقابة المريضة أصلاً .
إن جدول القيد هو البوابة الرئيسية لتدمير هذه المهنة وإذا لم يهب الصحفيون المخلصون لنجدتها سنجد تلك النقابة وكراً للباعة الجائلين والجاهلين.
*****
5 يناير 2009
مأساة الصحافة المصرية
كنت قد كتبت فى مقال سابق عن مخطط لتدمير نقابة الصحفيين المصريين وتشويه سمعتها عبر جدول القيد ومن خلال ضم عدد لا بأس به من أدعياء الصحافة وقد لاقى هذا المقال صدىً واسعاً فى الأوساط المهنية  وحازت المعلومات التى تضمنها  اهتمام أساتذة أجلاء من شوامخ الصحافة المصرية خاصة والعربية عامة
وقد فتح هذا الاهتمام شهيتى لإفراغ جزء آخر من شحنة المعلومات التى بداخلى والتى منها أن عدد كبير من الصحف لاسيما المستقلة والحزبية وعدد آخر اقل من الصحف الحكومية المسماة مجازا بالقومية تعمد إلى إذلال الصحفى وإهدار كرامته قبل أن يلتحق بهذه المهنة .
ولن أكون مبالغا إذا قلت ان المعايير التى يتم تعيين الصحفيين على أساسها فى معظم الصحف المستقلة لن تخرج عن ثلاثة معايير فإما أن يكون هذا الصحفى يحمل توصية من رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المعلنة فى هذه الصحيفة أو أن يكون حاملا توصية من جهة أمنية أو أن يكون قريبا لرئيس التحرير أو حتى يحظى باستحسانه وقد يحدث فى أحيان نادرة أن يتم تعيين الصحفى على أساس الكفاءة والمثابرة .
فيما أن التعيين فى الصحف الحكومية لابد أن يرفق بتوصية أمنية وعادة ما يكون الصحفى قريبا للمسئول الذى قام بتعيينه وهناك وقائع عديدة تم فيها استدعاء هذا الشخص من بيته لتعيينه صحفيا رغم عدم خبرته بهذه المهنة ورغم وجود طوابير من الصحفيين الجادين فى قائمة انتظار التعيين لمدد تزيد عن العشر سنوات .
المشكلة أن الصحفيين الذين تم تعيينهم على أى من الأسس الثلاثة السابقة عادة ما تكون خبراتهم فى غاية الضحالة وكما قلت من قبل بأن معظمهم لا يجيد القراءة والكتابة إلا أن الأمر والأدهى من ذلك أن هؤلاء الصحفيين - إن جاز وصفهم بهذا اللقب-يتسيدون الموقف ويعتلون ارفع المناصب فى هذه الصحف بينما يظل ذوو الكفاءة فى الحضيض ماديا ونفسيا .
وتعمد بعض الصحف الحزبية والخاصة المسماة جهلا بالمستقلة على أن يوقع الصحفى على استمارة استقالته كشرط لتعيينه وإلحاقه بنقابة الصحفيين وليس ذلك فحسب بل أن بعض هذه الصحف تقوم بجانب ذلك بإلزام الصحفى بالتوقيع على إقرار يفيد بأنه مسئول مسئولية كاملة عن كافة أثاثات المؤسسة مع تحريره إيصال أمانة على بياض  وذلك فى محاولة لإجباره على التزام الصمت بعد تعيينه وعدم اللجوء للشكوى!! .
وأنا أتحدى أن تقوم صحيفة خاصة عدا صحيفة كالشروق أن توافق على منح الصحفى فيها خطاب بمفردات راتبه وهناك قصص فى هذا الشأن لا داعى لذكرها!!
وعن موضوع الرواتب فحدث ولا حرج فمعظم صحفيى الصحف المستقلة لا يتجاوز راتب الصحفى فيها 300 جنيه بل أن هناك صحفاً منها لا تمنح الصحفى أكثر من 100 جنيه او تقوم بإجباره على العمل بدون اجر لفترة طويلة مقابل عضويته لنقابة الصحفيين .. وهناك صحيفة أخرى تمنح الصحفى مبلغ 5 جنيهات عن الخبر و20 عن التحقيق و50 عن السبق الصحفى وهنا يجد الصحفى نفسه لا يتقاضى فى نهاية الشهر سوى 50 جنيهاً فى حين يشترط رئيس التحرير على الصحفى أن يقوم بجلب إعلانات إلى الصحيفة كشرط لكتابة اسمه على الموضوعات التى يكتبها مما يضطره لأن يجامل هذا ويبتز ذاك مقابل اجر وهو ما تغض إدارة الصحيفة نظرها عنه بما يحمل " عقد ضمنى " بين الصحفى والصحيفة.
فضلا عن هذه الأمور التى صارت من المسلمات فى هذه المهنة فان هناك ظاهرة جديدة تعترى الصحف المصرية وهى أنه صار فى قطاع كبير منها صحافة انترنت حيث تتوقف مهمة الصحفى فيها عند مهمة القص واللصق من المواقع الاليكترونية وشكرا.
أما أم الكوارث فهى الصحف الأجنبية العاملة فى مصر والتى تجاوزت نحو 550 صحيفة فمعظم أصحابها لا علاقة لهم بالصحافة لا من قريب ولا من بعيد ولكنهم يمارسون المهنة من باب الاسترزاق لا أكثر ولا اقل ويقومون بدور المشهلاتية مقابل اجر عبر خداعهم للناس بصلاتهم القوية بالمسئولين الحكوميين  ويقومون بإيهامهم بأنهم أعضاء مؤثرون فى نقابة الصحفيين بما يحملونه من كارنيه نقابة العاملين بالصحافة والطباعة الذى وصل سعره الآن إلى 400 جنيه وصار يحمله السباك والكهربائى والنقاش وقد حدث معى شخصيا أن قال لى السباك الذى أحضرته لترميم شبكة الصرف فى منزلى بأنه صحفى مثلى مثله واخرج من جيبه كارنيه نقابة العامة للعاملين بالصحافة عن ترخيص يسمى أبو الهول وأخبرنى انه اشتراه ب400 جنيه مما دعانى لكتابة مذكرة الى نقابة الصحفيين بذلك ولا اعرف ماذا حدث ولعل تلك الواقعة دفعت بعض أصحاب هذه التراخيص للمتاجرة بعضوية النقابة العامة .
وأتذكر أننى قمت بكتابة مذكرة فى احد هؤلاء الأدعياء حيث انه تصادف أثناء وقوفه فى ميدان عبد المنعم رياض بوسط القاهرة أن التقى بعجوز صينى ينطق العربية بالكاد كان يبحث عن مطعم لتناول طعامه فاحضره هذا الدعى إلى كافتيريا نقابة الصحفيين بعدما اخبره بأنه صحفى بل رئيس تحرير وقام الصينى بطلب الطعام لنفسه فإذا بالدعى يقوم بطلب وجبه أخرى له وطلب من العاملين فى المطعم أن يقوموا بمحاسبة الصينى عليها ولما فرغ العجوز الصينى من تناول طعامه طلب منه أن يمنحه 50 جنيها على سبيل أتعاب إرشاده إلى مطعم النقابة .
بل أن هذا الدعى قام بالذهاب إلى مطعم " أبو طارق " الشهير بشارع شامبليون والمتخصص فى تقديم أشهى وجبات الكشرى وطلب من مدير المحل أن ينشر عنده إعلانا بـ 500 جنيه فنهره الرجل .
ولكن لم تمر أيام حتى فوجىء مدير المحل بهذا الدعى يحضر إليه ومعه صحيفة نشر فيها إعلاناً عن المطعم ولما رفض أن يدفع له اتفق معه أن يمر عليه كل يوم خميس لمدة شهر لتناول وجبة كشرى !!
هذا هو حال الصحافة والصحفيين فما رأيكم .. أراح الله بالكم .
*****
15 ديسمبر 2009
 قدر المقاومة فى انتخابات الصحفيين المصريين
" يكفينا شرف المحاولة .. كنا شباب بيحارب دولة " شعار هتف به شباب تيار التغيير فى نقابة الصحفيين المصرية بعدما أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات فوز مرشح الحكومة فى جولة الإعادة الأستاذ مكرم محمد أحمد بفارق 825 صوتا حاصلاً على 2386 صوتا ( 1496 صوتا فى الجولة الأولى ) على منافسه الدكتور ضياء رشوان الذى حصل على 1561 صوتا (1464 صوتا فى الجولة الأولى بفارق 39 صوتا فقط ) .
لقد كانت معركة انتخابات الإعادة فى نقابة الصحفيين فى الثالث عشر من ديسمبر الحالى ملحمة نضالية بحق تفخر بها كل القوى الوطنية فى الجماعة الصحفية المصرية معلنة أن تيار التغيير الذى يضم بين فئاته كافة التيارات الفكرية من قوميين وناصريين ويسار وإخوان مسلمين وشيوعيين وحركة كفاية وليبراليين وغير منتمين قادر على أن يحقق المعجزة وأن ينجز إرادة التغيير بطريقة سلمية.
الأمر الذى أدهش الجميع أن شباب تيار التغيير أستطاع وبكل بسالة الوقوف بشدة وصلابة أمام كل إغراءات الحكومة وحزبها الحاكم ، فالحكومة قامت بفتح خزائنها على مصراعيها أمام مرشحها يهب من يشاء ما شاء وكيفما شاء وبالطريقة التى يرتضيها وسخرت أجهزتها الأمنية والإعلامية والصحفية الضخمة لخدمة مرشحها ووضعت رؤساء مجالس إدارة وتحرير صحفها القومية فى موضع لا يحسدون عليه حينما رهنت بقاءهم فى مناصبهم بإسقاط مرشح التيار فراحوا جميعا يتبارون فى استدعاء محررى صحفهم من كل بقاع الدنيا على نفقة مؤسساتهم لدرجة جعلت تكلفة صوت الواحد منهم يصل إلى عشرة آلاف جنيه فضلا عن قيامها بإلغاء جميع الأجازات وإخراج المحررين بالأمر المباشر من مؤسساتهم للتوجه إلى صناديق الاقتراع بالنقابة مع الاسراف فى منح المميزات المادية والعينية والأدبية للمؤيدين لتوجهها الانتخابى مقابل الإرهاب والترهيب الذى مورس ضد المعارضين.
واستمر هذا السفه لدرجة أن بعض تلك المؤسسات قدم القائمون عليها اقتراحا للجنة القضائية بالسماح لمحرريهم بتصوير استمارات التصويت الخاصة بهم عبر الهاتف المحمول وذلك لضمان تصويتهم لمرشح الحكومة (!!!!!) وهو الإجراء الذى رفضته اللجنة القضائية بالطبع لكونه يتنافى مع سرية التصويت .
ولم تكتف بذلك فقط بل إنها سخرت صحف الأحزاب الكرتونية والديكورية وبعض الصحف الخاصة من صنائعها لشن حرب غير عادلة وغير مبررة ضد الدكتور ضياء رشوان مرشح تيار التغيير متهمة إياه بتهم لا تنطبق ان انطبقت الا على مرشحها هى لا هو ناهيك عن سيل البرامج الفضائية التى تحاول تصوير الأمر وكأن نقابة الصحفيين تواجه خطر الاختطاف من قبل جماعات إرهابية وليس من قبل شريحة تتعدى نسبتها نحو 40% من عدد أعضاء الجمعية العمومية بقيادة رجل عرف عنه التوازن والاتزان والموضوعية فى اتخاذ المواقف .
ولقد بلغ حجم الحشد الذى مارسته الدولة حداً جعل البعض يعتقد أن قراراً امنياً رفيعاً سيصدر بين لحظة وأخرى أمراً بإلقاء القبض على جميع الصحفيين المؤيدين للدكتور ضياء رشوان الذى صوروه كأنه أسامة بن لادن المختبىء فى جبال تورا بورا وليس ضياء رشوان الصحفى والباحث والمحلل السياسى الذى يشغل منصب نائب رئيس مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وهو أفضل مركز بحثى فى الشرق الأوسط والكائن فى مؤسسة الأهرام الواقعة فى شارع الجلاء بوسط القاهرة.
لقد تخلت الدولة عن حيادها فى هذه الانتخابات بشكل سافر ولم تتعامل معها على أن الجميع مواطنيها سواء كان مكرم محمد أحمد أو ضياء رشوان أو مؤيدو أى منهما وراحت تساوم بعض الصحفيين المتهمين فى قضايا نشر من غير المنتمين للصحف القومية بين خيارين إما تأييد مرشحها وإما تحريك كافة القضايا المؤجلة ضدهم فضلا عن الوعود بالكتابة أو التعيين فى الصحف القومية .
كما لعبت منح الوحدات السكنية والمدافن وأجهزة اللاب توب وأجهزة المحمول وعقود العمل بالخارج التى وزعها المرشح الحكومى على الصحفيين دورا مؤسفا فى التأثير على حياد البعض .
والأمر الأكثر إيلاماً أن قطاعا كبيرا من الصحفيين  فى الصحف الفقيرة التى لم تدعمها سياسات مكرم وأمثاله من المرشحين الحكوميين راح يصوت له طمعا فى الحصول على وجبة الطعام التى كان يوزعها خارج اللجان.
ان تيار التغيير راح يقاوم كل ذلك مستمدا العزم من بصيرته ووعيه المهنى والسياسى القومى واكتشف أن شريحته وسط أعضاء النقابة ليست بالهينة وإنما تتجاوز 40% منها وإنهم قادرون على سحب البساط من التيار الحكومى فى الجولة القادمة حينما لا تجد الحكومة أسماء ذات قيمة لترشحها.
ولقد وقفت صحف الدستور والعربى الناصرى والاهالى بكتائب محرريها الفرسان وقفة بطولية لدعم مرشح تيار التغيير رغم ما تعانيه من تضييق وقلة موارد .
اننا نقول اننا خسرنا هذه المعركة ولكننا لن نخسر الحرب التى قطعا سنكسبها فى الجولة القادمة وسيكون انتصارنا فيها مبهرا وذلك لأن قدر المقاومة دائما أن تخسر المعركة 99 مرة ولكن انتصارها رقم مائة سيغير وجه التاريخ ويَجُبُ ما قبله من هزائم ..إنها سنة الحياة وتصديق لقوله تعالى "لولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض".
فى النهاية لا يسعنا إلا الانصياع لقرارات الجمعية العمومية واحترامها واحترام النقيب الذى ارتضته.
*****
محيط 22 سبتمبر 2009
التعليم في مصر.. العدد في الليمون
منذ أيام قرأت تقريراً عن التعليم في مصر لعل كل ما أثارني فيه فعلق في ذاكرتي تأكيد الباحث علي   أن الصين وهي الدولة ذات الملياري نسمة تقريبا قامت جامعة بكين "العاصمة" فيها بتخريج نحو 40 ألف طالب منذ إنشائها في حين أن جامعة القاهرة قامت بتخريج نحو 128 ألف طالب رغم أن عدد سكان مصر نحو 1 من 20 تقريبا بالنسبة الي عدد سكان الصين.
وأردف الباحث معلقاً "العدد في الليمون " بمعني أن كم الخريجين لا يعني بالضرورة أنهم متعلمون .
ان مراقباً جيداً للحالة التعليمية في مصر يستطيع أن يجزم أن المليارات التي تنفق عليه قد ذهبت هدراً و أنه لا يمكن لوطن يعلم أولاد بتلك الطرق وهذه الوسائل والمناهج أن يحقق نجاحاً ولا يصنع تعليماً مفيدا.
فالمناهج التي انتقدوا فيها من قبل اعتمادها علي الحفظ تحولت إلي مواد يعتمد فيها علي "الصدفة " أي أن إجابات الطالب تعتمد علي الصدفة لا الوعي، وفي كلا الحالتين يغيب الفهم وإن كان الحفظ قد ينتج فهما فيما بعد.
وكادر المدرسين الذي ملأت به وزارة التربية والتعليم الدنيا ضجيجاً كرافع لمهارات المدرسين واعتبرت أنه بتنظيم امتحانات الكادر له ستكون قد رفعت من مستواه ،هو اجراء فاشل أيضاً , حيث يؤكد المدرسون الذين اجتازوا هذا الكادر بأنهم دفعوا الرشى للمراقبين وأن اللجان كانت "بوظة".
فضلاً عن أن العديد من المدرسين في المدارس والمعاهد الخاصة هم أساساً لا يجيدون القراءة و الكتابة بشكل يمكنهم من تعليم آخرين بالإضافة إلي أن ما يتقاضونه من راتب يعتبر "وصمة عار" ليس في جبين وزارة التربية والتعليم فقط ولكن للعامل والعمل في مصر بشكل عام .
المشكلة أن قد لا يمكن لمدرس يتقاضي راتبا لا يكفي لثلاثة أيام أو ربما أسبوعاً في أفضل الأحوال و اختير بهذا الشكل أن يعلم أحداً فضلاً عن كونه أصلاً غير مؤهل للتدريس .. علماً بأن العديد من المدرسين لا يحملون مؤهلات عليا .
وفي الواقع وبحكم عملي ومعايشتي لأعداد من خريجي الجامعات اليوم أكاد أجزم أن الغالبية من هؤلاء الطلبة فاشلون وأنهم حرموا من ابسط مسلمات العلم بحيث إنهم لا يجيدون الإملاء - أي القراءة و الكتابة - وليس الوصول لإجادة العلوم و الفنون !!
لقد تولدت بداخلي قناعة أن العملية التعليمية في مصر برمتها فاشلة و تحتاج إلي إعادة بناء بحيث يراعي فيه تغيير المناهج وربطها بثقافة الشعب الأصيلة عربياً وإسلامياً و تغيير أحوال المدرسين المادية بحيث يتم الانفاق عليهم بما يفرغهم تماما للإبداع والعطاء في المدارس والابتعاد عن الدروس الخصوصية فضلاً عن تبسيط المناهج بما يكفل سرعة التحصيل و كثافة المعلومات وهو الأمر الذي من شأنه أيضا القضاء علي الكتب الخارجية .
ومما أثار حزني الشديد ما تناقلته الصحف من أنباء عن تلاميذ و طلاب يقومون بالاعتداء علي مدرسيهم أو مدرسين يقومون بإجبار تلاميذهم علي أفعال غير لائقة .
اندهشت مما انقلبت إليه الأحوال في مدارس مصر خاصة بعدما عرفت أن قطاعاً كبيراً من أصحاب المدارس الخاصة يقومون بتعيين حملة الدبلومات الفنية المتوسطة فيها كمدرسين للتلاميذ ويقوم مدير المدرسة كل عام برشوة مراقبي امتحانات مراحل الشهادات من أجل أن يسمحوا بالغش وعادة ما يجمع ناظر المدرسة قيمة الرشوة من أولياء الأمور ومن لا يدفع يرسب!ّ!
نعم .. يقوم مسئولو المدارس بتعيين منخفضى الكفاءات والمؤهلات كمدرسين لاسيما الفتيات نظراً لانخفاض أجورهن بحيث يصل مرتب الفتاة نحو 200 جنيه شهرياً فضلاً عن قيامهن بالتوقيع علي استقالة مسبقة وشيك علي بياض لضمان عدم إتلاف أية منقولات بالمدرسة أو لتجنب أية مشاكل أخرى يُحدثنها ، و بالطبع تقبل الفتيات هذا الواقع نظراً لأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان ولأنهن يردن الخروج من أجل تحسين فرصهن في الزواج نظراً لمستويات العنوسة العالية.
هذا بالنسبة للمدارس الخاصة أما المدارس الحكومية وإن كانت أفضل تعليما إلا أن التلميذ قد لا يجد منضدة أو حتي كرسياً يجلس عليه وإن وجده فأرباب الأسر يتخوفون من انتقال سلوكيات سيئة من تلاميذ لأسر من ذوي الحالة الاجتماعية المنخفضة .
إنني في الحقيقة أفخر بأن المدرس كان ملاكاً في أيامنا وكان معلما حقيقيا في حين أننا كنا كطلبة نُجله ونحترمه لدرجة القداسة.
أما الآن فلا يوجد تعليم جيد ولا طالب جيد ولا مدرس جيد ولا مدرسة جيدة ولا مناهج جيدة ولا أسر جيدة.
أنا لازلت أتذكر الأستاذ محمد فراج مدرس اللغة العربية في مدرسة عزبة البوصة الثانوية بأبو تشت لقد كان جهبذاً في اللغة العربية جعلني وغيري من أقراني نعشقها ونرتدي رداءها ونفهم عميق معانيها وسامي ألفاظها ولازلت أيضاً أتذكر الأستاذ عبد اللاه محمد عبد اللاه مدرس التاريخ والجغرافيا وهو الشخص الذي أقسم بالله انه لم يكن إلا مؤرخاً كبيراً يعادل أفضل مؤرخي مصر .. وهو الذي علمني أن قراءة التاريخ هي قراءة في المستقبل .. بل إنه قراءة في السياسة والفلسفة والدين والاجتماع والاقتصاد .
هل يمكن أن نجد من بين المدرسين الجدد الآن من هم بكفاءة الأستاذ محمد فراج و عبد اللاه محمد ؟
أنا لا اعتقد
إنني حقاً أدين لهما بالكثير واعترف أنني لطالما تذكرتهما لعدة مرات قبل نومي إلا أنه ما إن يأتي الصباح إلا وتأخذنا دوامة الدنيا وأنسى.
*****
الاسبوع 14 يناير 2010
ماريوحنا .. أحداث ثأرية لا طائفية
هل شاهدتم من قبل المسلسل التلفزيوني المصري " ذئاب الجبل" ؟
هذا المسلسل الذي يحكي عن عادات وتقاليد قبائل "هوارة" التي تبدو أنها تتخذ خطاً شديد المحافظة في وسط بلاد الصعيد الجواني المعروف عن جميع سكانها أنهم محافظون.
كانت أحداث هذا المسلسل تدور بالكامل عن ثقافة تلك القبيلة التي تتخذ نفوذا واسعا وقويا في مراكز شمال محافظة قنا وتحديدا دشنا ونجع حمادي وفرشوط وأبوتشت وهي ذاتها المناطق التي شهدت فصول أحداث نجع حمادي الأخيرة التي ارتأي البعض أو ربما استسهل تسميتها بالطائفية رغم أن النزاعات الطائفية غير معروفة هناك ولا توجد سوابق لها.
وبصفتي واحد من مواطني هذه المنطقة وأشرف بالانتماء لذات القبيلة أستطيع إن أقول أن أحداث نجع حمادي الاخيرة التي قتل فيها ستة مسيحيين ومسلم واحد أمام كاتدرائية " ماريو حنا " لم تكن قطا أحداثا طائفية - مع شديد اعتراضي عليها وألمي لها -
ولكن كانت أحداثا ثأرية خالصة تختص بها تلك المنطقة من العالم لاسيما لو كان الأمر متعلقا بالشرف وقضايا العار وذلك لكونهم هناك يضفون علي المرأة شيئا من التقديس والإعزاز ربما لم يكن متوافراً بذات القدر في أي مكان آخر.
وكم من قضايا ثأرية حدثت في نجع حمادي أو دشنا راح ضحيتها المئات ليس بين مسلمين ومسيحيين كما هو الحال الآن بل بين قبيلة مسلمة وأخرى مسلمة وحتي بين عائلات في ذات القبيلة أو تلك أو بين عائلات مسيحية بعضهما البعض .
ولست أدري لماذا غيبت وسائل الإعلام - بسوء قصد علي ما أعتقد – ممهدات الأحداث وأسبابها وراحت تعيد وتزيد في النتائج ؟
فالحكاية كما عرفتها ويعرفها القاصي والداني بدأت منذ نهاية شهر نوفمبر الماضي حينما أغتصب شاب من قرية تسمي " الكوم الأحمر " وتتبع مركز فرشوط طفلة عمرها أحد عشر عاما محدثا بها تهتكات شديدة وتركها بين الحياة والموت وفر هاربا.
ووسط ذهول الجميع وتوعدهم بالانتقام الشديد من المجرم الذي انتزع عنوة براءة الطفولة ولطخ بفعلته تلك سمعة العائلة بل البلدة كلها بالعار نقلت الطفلة الي المستشفي وهناك استجوبتها النيابة وأرشدت عن الجاني .
ولأن التجارب الأمنية السابقة كشفت لأجهزة الأمن عن أن المجني عليه عادة ما يلجأ الي الثأر من الجاني أو من أقرب أقاربه في حال تعذر الوصول اليه - نظراً لإيمان عميق بأن حكما بالحبس سنة على الجانى مثلا قد لا يروى الغليل ولا يتناسب مع حجم الجرم - لذلك قامت بإلقاء القبض علي الجاني ثم نقلت ذويه الي منطقة غير معلومة لحين هدوء العاصفة وحرصا علي حياتهم .
وكان من سوء الحظ أن الجاني مسيحي والمجني عليه طفلة مسلمة تنتمي إلى قبيلة "هوارة" المعروف عنها شدة البأس في قضايا الشرف لا فرق في موقفها ذلك إذا ما كان الجاني مسيحيا أو مسلما.
ومما زاد الطين بلة أن الإجراء الذي اتخذته الشرطة بنقل ذوي الجاني لمكان غير معلوم ساهم في تأجيج مشاعر العداء والرغبة في الثأر لاعتقاد أهل المجني عليها بأن تلك الأسرة فرت للاحتماء بأقارب لها في نجع حمادي الأمر الذي فرق ثأرها بين القبائل وحرمها من الانتقام رغم أن سرعة الأخذ بالثأر لها أمر حاسم في هذه المناسبات حتي تتمكن أسرة المجني عليها من استعادة الشعور بالكرامة ورفع الرأس بين العائلات .
فما كان الا اتخاذ قرار الانتقام العشوائي الذي تسبب في الأحداث المعروفة فضلا عما ذكره احد المتهمين الثلاثة بأنه نفذ فعلته تلك انتقاما من قيام طبيب نساء وولادة مسيحي بقتل مولودة أثناء قيامه بإجراء عملية ولادة لزوجته وفر هاربا واكد تقرير مدير المستشفي بأن الطفل لم يولد ميتا ولكن قتل عمدا.
 أعرف ان البعض سيتهمني بالانحياز وهي التهمة التي أنفيها تماما فأنا لم أكن أبدا طائفيا ولن أكون وكذلك لم أكن أبدا بربريا ولن أكون .. وأقر بأن الجريمة التي حدثت في كنيسة ماريو حنا بنجع حمادي هي جريمة نكراء بشعة لا تتفق أبدا مع أخلاق الإسلام من جانب أو الصعايدة من جانب آخر ولا طبائع قبيلة هوارة التي تتسم بحب العدل والإنصاف والتسامح شأنها في ذلك شأن جميع القبائل والعائلات مسلمة ومسيحية علي حد سواء في هذا المكان من العالم .
ولا أخفيكم أن ما حدث ليلة عيد الميلاد أثار استهجان وسخط المسلمين بنفس القدر الذي أثاره لدى المسيحيين .. وراح الناس هناك يجهرون بمطالبتهم بشديد القصاص ضد الجناة الذين حصدت بنادقهم بهجة العيد فراحوا يقتلون الجميع دون تمييز ودون ذنب وفي ليلة عيدهم شريطة ألا تكون تلك المطالب سببا فى القصاص من أبرياء وداعياً لتسريع أحكام دون ترو .
لقد رفعت والدتي صوتها بالدعاء ضد القتلة أثناء ادائها صلاة الفجر بينما انهمرت الدموع من عيونها تألما علي الحال الذي وصل إليه الناس فيما استاء صديقي المسيحي من قيام الجناة بإجراء عملية قتل عشوائية وقال لماذا لم يقتل الجاني أو أي من أسرته.
الناس هناك مسلمون ومسيحيون علي حد سواء يوقنون في قرارة أنفسهم بأن ما حدث ليس الا حادثا ثأريا معتادا بين المسلمين وأن الجديد هنا كون أحد قطبيه مسيحيا وأن تنفيذه تم عشوائيا.
لقد ارتأيت أن من واجبي كتابة تلك الملاحظات حتي لا يتوهم البعض بأن ما حدث أمر طائفي ولكن الصدفة هي التي صورته كذلك ولو كان الجاني مسلما والمجني عليها طفلة مسيحية لتعاطف الناس معها وذلك لأن الشرف لا يتوقف فقط عند المسلمين.
نحن ضد الجريمة بشكل قاطع ولا نبرر للثأر الذى يعنى أول ما يعنى غياب دور الدولة لا سيما لو كان الأمر مع شركاء الوطن إقتداء بسيرة سيدنا المسيح السمح المتسامح ولو كانت المجنى عليها مسيحية والجانى مسلما لطالبنا بأقصى العقاب ضد الجانى وإعدامه فورا.
 ومع ذلك نبقى كلنا ضد ما حدث حيث قُتل الأبرياء المسالمون ولو كنا نؤيد ذلك لكنا شعبا همجيا نسىء لثقافتنا وديننا ووطننا ولكن فى ذات الوقت نطالب بقانون رادع شديد الصرامة على جرائم الاغتصاب لا يقل بأى حال عن الإعدام حتى تعيش الأسرة المصرية مسلميها ومسيحيوها فى أمان على الأبناء.
 أما لو ظل القانون ضعيفا كما هو الآن فلن يستطيع أحد إيقاف جرائم الثأر. إنها بصراحة حالة غياب تام للقانون انها حصاد لثقافة عامة تؤمن بأن ثوب القانون مليء بالثقوب التي يمكن أن تسمح لجمل بالمرور وأن الحل في الثأر .. ثم بعد ذلك يأتي القانون أو حتي أقباط المهجر وكل من يريد أن يصبغ الحادث بصبغة سياسية وطائفية حتي لو كان الجناة لا يعتقدون بأي فكر أو أيديولوجية كانت وكل ما يربطهم بالإسلام فقط .. خانة الديانة في البطاقة الشخصية .. فهم مسجلون خطر .. والدين .. أي دين عكس الجريمة.
*****
الاسبوع 27 سبتمبر 2010
عن المسألة القبطية
فى البداية، كان ضرورياً قبل الحديث عن المسألة القبطية التأكيد على أن المقصود منها لم يكن قط مسيحيى مصر فقط ولكن بعض مسيحييها ومسلميها بوصفهم أقباطاً وعلى اعتبار أن القبطية ليست جنسا ولا دينا ولا لغة ولكنها تنطبق على كل من سكن مصر قبل الفتح العربى الكبير والأخير لها على يد عمرو بن العاص، وعلى اعتبار أن عدداً لا بأس به من القبط دخلوا الإسلام بعد الفتح العربى وإلا فبماذا نفسر السر وراء كثرة وغلبة عدد المسلمين على المسيحيين فى مصر بعد نحو قرن واحد من الفتح كما يؤكد المؤرخون.
وإذا شرعنا فى الحديث عن المسألة القبطية ومن هم أصل البلاد التى فجر الأنبا بيشوى الرجل الثانى فى الكنيسة الشرقية مرقدها واصفاً المسلمين بالمحتلين وأن المسيحيين هم أصل البلاد وجب علينا حينئذ تقسيم بحثنا عبر مرحلتين.
الأولى مرحلة تنظر فى تاريخ مصر وتاريخ المصريين والثانية تنظر فى حاضر مصر وحاضر المصريين ولكن قبل هذه أو تلك وجب التأكيد على أن هناك حالة من الاستقواء والاستجابة للمغريات الإمبريالية من قبل بعض المسلمين أولا ثم المسيحيين ممن قرأوا  بشىء من العجالة سطور التمدد الأمريكى فى العالم العربى، خاصة والإسلامى عامة واعتبروها تعبيراً مجازياً عن حرب صليبية جديدة تشن لتخليص مسيحيى الشرق من العبودية الجديدة وهم بذلك لم يقرأوا ما بين السطور بأن الإمبريالية الأمريكية لا دين لها سوى الصهيونية والتخديم لصالحها حتى ولو على حساب المسيحيين أنفسهم وهم الذين يعانون الاحتلال مع أشقائهم المسلمين فى فلسطين.
ويجزم عدد كبير من المؤرخين بأن مصر عبر تاريخها القديم كله لم تكن سوى بوتقة صهر لجميع الأجناس والأمم لاسيما العرب، ممن قاموا بغزو تلك البلاد فى حملات الهكسوس الشهيرة قادمين من بلاد الشام وكنعان ثم حكموا البلاد لفترة طويلة من الزمان وانصهروا فى شعبها، كما أن هناك موجات أخرى من الانتقال العربى إلى مصر حدثت من قبل أفواج من العبرانيين ثم قبائل كالغساسنة والكنعانيين والفينيقيين وهم العناصر التى فرت من اضطهاد اليهود لهم كمسيحيين فى بلادهم.
ويقول بعض المؤرخين إن مصر قبيل الفتح العربى لها كان يتحدث قطاع كبير من شعبها اللغة العربية وأن تلك القبائل كانت تدين بالمسيحية ثم تحول قطاع منهم إلى الإسلام بعد الفتح فى حين كانت الوثنية هى الديانة الثانية فى البلاد وأنصارها من أهل الجنوب.
ويتخذ المؤرخون من سرعة فتح مصر وانتشار الإسلام فيها على يد القلة الفاتحة وانتشار اللغة العربية مع انقراض اللغة المصرية تماما برهاناً على أن عمرو بن العاص لم يكن أول الفاتحين بل آخرهم.
وفى هذا الصدد لا ينكر أى من الباحثين التاريخيين أن مصر كانت بوتقة صهر لجميع الأجناس، فقد حكمها العرب متمثلين فى الهكسوس وحكمها الرومان وحكمها النوبيون لمدة 25 عاما كما حكمها السودانيون بل أن قطاعاً ما من سكان مصر آنذاك كانوا وافدين من بلاد «بونت» وهى الصومال حالياً.
ومن هذه العرض السريع بحسب ما تيسر لنا من اطلاع يتأكد أنه لا أصحاب لمصر سوى المصريين وهم من يسكنونها وأن الفرعونية ليست جنسا بل نظام حكم.
 أما الحديث عن فهم الواقع فهو يفرض علينا الاتفاق على مفاهيم  تقول إن الديمقراطية تعتمد أساساً على نظام حكم الأغلبية ، وأنه رغم كل نقاط ضعفه، يعد هو الحل الأمثل للقضاء على كل مشكلات الحكم ، بما فيه من احتكام الى صندوق الاقتراع فإن ما تقوله الأغلبية من أى جنس أو دين أو لون يصبح هو الإطار المعيارى أو بمعنى اصح "دستور" البلاد الذى تحتكم إليه الأغلبية سواء أو الأقلية , وانه بتحقيق معيارية الاحتكام لصندوق الانتخابات ستكون الدولة قد ضربت مثالا يحتذى به عالميا فى الديمقراطية  وتحول ان تسيطر فئة على حقوق الفئة الأخرى لطالما كان الجميع مواطنين فى دولة مدنية.
إذا سلمنا بهذه المرحلة وجب علينا الانتقال لمرحلة ثانية فى تشخيص وتجسيد مصالح الأقلية بما لا يخالف ولا ينتهك مصالح الأغلبية.
إذا حدث ذلك فهل يكون هناك انتقاص لمصالح الأقلية وهل يبقى مبررا أن تتحدث الأقلية عن طغيان يمارس ضدهم؟
فى العام قبل الماضى صدر تقرير أمريكى يؤكد أن أعداد المسيحيين فى مصر تتأرجح بين 10 إلى 12 مليون نسمة من إجمالى سكان مصر البالغ عددهم بضع وثمانون مليون نسمة أى بنسبة تقارب واحد على ثمانية من السكان فى حين تؤكد إحصاءات حكومية مصرية بأن عدد مسيحيى مصر يتأرجح بين 8-10 ملايين نسمة وهو دون تلك النسبة.
ويقول بعض المسيحيين فى مصر إنه لا اضطهاد فى الحقوق الدينية لهم ولكنهم مضطهدون فى حقوقهم السياسية وأنهم لا يتقلدون المناصب العليا رغم أنه يوجد فى الحكومة ثلاثة وزراء مسيحيين من أصل 29 وزيرا ومن بين هؤلاء الوزراء وزير المالية  الذى كان والده وزيرا للخارجية كما أن كبار رجال مجلس الشعب والشورى هم من المسيحيين فضلا عن قيادات الوزارات لاسيما العدل والداخلية،
 كما أن من يتبنون تلك المطالب يتجاهلون تماما أنه لا أساس دينى لعدم منحهم مناصب عليا ولكن هناك حالة من الفساد الشديد تضرب بأطنابها النظام الحاكم فى البلاد فحالت دون تداول السلطة بين معظم قطاعات الشعب مسلميه سواء أو مسيحييه وورثتها فى عائلات بعينها سواء كانت مسلمة أم مسيحية وهو الورم الخبيث الذى يعاني منه الشعب كله بكافة أطيافه أى أن الأزمة ليست أزمة قبطية كما يقولون ولكنها أزمة فسادية، فضلا عن أن من يقولون إنهم مهمشون فى البلاد يوجد بينهم رجل أعمال واحد يقول إنه يستطيع أن يشترى كل أرض صعيد مصر بفلوسه، إذن هل هناك تفرقة؟! أنا لا اعتقد.
أنا اعتقد أن الدولة المصرية هى دولة ذات أغلبية مسلمة وينبغى لهذه الأغلبية أن تحافظ على مكاسبها التى منحتها لها الديمقراطية وصناديق الاقتراع فى أن يكون الدين الرسمى لهذا البلد هو الدين الإسلامى وأن اللغة العربية هى لغتها الرسمية وأى اعتراض على هذين الخيارين يعتبر استقواءً ورفضا للديمقراطية لاسيما أن مصر أعلنت مرارا وتكرارا عن تبنيها نظام الدولة المدنية التى تنظر لرعاياها جميعا نظرة واحدة كمواطنين واتخذت من «المواطنة» شعارا لها.
إن مطالب قبطية تثور بين الحين والآخر يتلقاها الجانب الآخر "المسلم " كرفض له واستقواء غير مبرر عليه، فعندما يخرج علينا شخص يطالب بمنع الآذان فى مكبرات الصوت فهو شخص يتدخل فى صميم عقيدة الآخر بدون وجه حق وكذلك حينما يطالب بمنع تدريس الدين فى المدارس وهكذا الأمر حينما يطالبه بإغفال آيات قرآنية تتحدث عن النصارى ويعتبرونها بالآيات التحريضية مع أن المسلمين يؤمنون بالمسيحية وبالسيد المسيح عليه السلام فى حين يرى المسيحيون المسلمين ككفار.
أنا اعتقد أن مشكلة قلة من الأخوة المسيحيين فى بر مصر أنهم لا يستطيعون تصديق أن مصر دولة ذات أغلبية مسلمة وأن ما لهم من حقوق وواجبات لا يجب أن تقل أو تزيد عن نسبة أصواتهم فى صناديق الاقتراع وأن ما حصلوا عليه من حقوق فى عهد الرئيس مبارك ما كان لهم أن يحصلوا عليه فى أى عهد آخر وهو ما لم تحصل عليه أية أقلية فى أى بلد فى العالم.
كما أنه ينبغى على الجميع مسلمين ومسيحيين أن يدركوا أن لا أحد منهم قادر على التخلص من الآخر وأن ثمة هناك زواجا كاثوليكيا لا فكاك منه بين مسلمى ومسيحيى مصر وعلى كل منهم أن يحترم ما أعطته الديمقراطية والدولة المدنية وصندوق الاقتراع للآخر.
ولأننى اهتم بالمنطق فإن حديث الأنبا بيشوى انطوى على شىء من الاستقواء وأحياناً عدم الوعى .. فالرجل راح يهاجم القرآن الكريم فى بلاد أكثر من 85 % من سكانها مسلمين ورغم ذلك لم نجد فوضى لا هنا ولا هناك , ولربما لو قال مثل تلك التصريحات شخص يعيش فى أى بلد غربى لانقلبت مصر تطالب بالقصاص منه , أليس ذلك تسامحا وديمقراطية وصلت لحد التفريط.
هذا بخصوص  الاستقواء أما بخصوص عدم الوعى فان الأنبا قال أن هناك ثلاثة آيات قرآنية محرفة ووضعت بعد وفاة الرسول ولو كان الأمر كذلك إذن أنت تؤمن بالإسلام والقرآن الكريم!!
*****
محيط 18 ديسمبر 2010
وظيفة مرموقة للأغبياء فقط
اخشي أن يأتي يوم نقرأ فيه إعلانا في الصحف يعبر فيه المعلن عن حاجته الماسة والعاجلة الي شخص يشغل منصبا مرموقا  في البلاد يتصل بتوجيه وإرشاد وتثقيف الناس ’ واشترط المعلن في مواصفات هذا الشخص أن يكون "غبيا" كشرط أساسي , ولا مانع أن تتوافر فيه مع هذه الصفة أن يكون متبلدا وفاقدا للإحساس وشديد الرعونة والجهالة وقلة الإيمان.
ناهيك عن أنه يشترط أيضا في تفاصيل تلك السمات ألا يكون هذا الشخص قد ضبط من قبل بالفهم أو حتي الإقدام عليه ’ فضلا عن كونه لم يَغَشْ الكتابة والقراءة ’ رغم كونه يحبذ أحاديث المثقفين والثقافة لدرجة انه حتما ولابد أن يكون الأعلي صوتا وقيمة ومقاما بينهم ساعيا لارتداء قناعاتهم والحديث بلسانهم الأمر الذي يؤهله الي مَنْطَقة ما لا منطق له وشرعنة ما لا تقبله شريعة أرضية أو سماوية وتبرير كل ما يخجل المرء عن تبريره ما لم يبد الإعجاب به.
وفي بند المهام يوكل لمن تتوافر فيه تلك الشروط مهمة تجهيل الناس’وإسقاط عقولهم في أرجلهم وعواطفهم في بطونهم وأحلامهم في المراحيض ومقالب القمامة ’ وجعلهم مجرد كائنات بلا روح ولا عزيمة وتحويلهم من موتي فوق الأرض الي موتي تحت الأرض دون صخب أو ضجيج ’ فينتقلون من عذاب عباد الله الي عذاب رب العباد الذي صرفوا جل حياتهم دون خوف منه أو وجل وراحوا ينشغلون في حياة لا تقدم لهم أو لأحفادهم نجاحا.
ويقول المعلن إنه سيتم توفير إمكانات جبارة لمن توكل له تلك المهمة ليتسني له إخراجها في الشكل الأمثل وطبقا للشروط والمواصفات ومنها أنه سيوفر له العديد من كبريات وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمكتوبة ذائعة الانتشار من تلك الوسائل التي وضع علي رأسها "أغبياء" مختارون بعناية من قبل ’ اجتازوا الاختبارات بنجاح منقطع النظير’ فأنتجوا بما توافر فيهم من مواهب جيلا كبيرا من الجهلة والأغبياء والانتهازيين.
وأخشي أن يضيف المعلن استعداده لتوفير جيش من أنصاف وأسداس وأرباع المثقفين ممن يمتلكون شطيرة من مخ من هؤلاء الموضوعين علي قمة الهرم الثقافي والفني حيث سيواصلون عملهم "التنظيري" مستغلين قدرتهم علي "الجدل" و"السفسطة" وخلط الحابل بالنابل في أذهان العامة ’ علما بأن هؤلاء يقومون بهذا العمل من أجل إشباع حاجتهم المتنامية في الشعور بارتفاع تلك الذات الممرغة بالوحل حتي ولو علي حساب مستقبل الناس والحقيقة.
فضلا عن انه سوف يتم توفير ميزانية ضخمة للإنفاق علي كل ما من شأنه إنجاز تلك المهمة حيث سيتم الصرف ببذخ علي المشخصاتية ولاعبي كرة القدم والعابثين والعابثات , وإظهار أعمالهم وكأنها إنجازات قومية , وكذلك سيتم الإعلاء من شأن كل فعل وقيمة وصنعة خالية من الإبداع والمهارة ولا يمكن أن تفيد الناس في شيء.
ويضيف المعلن انه سيغدق بشدة علي سعيد الحظ بحيث سيمنح راتبا يزيد نحو ألف ضعف علي أي راتب لأقرانه ، ناهيك عما سيمر من تحت المنضدة ومن خلالها ومن جانبيها , فضلا عن أنه لن يجد من الوقت ما يدبره لتلبية نداءات الفلاشات والكاميرات والمعجبات والمجاملين والمجاملات والطامحين والطامحات.
نعم يا سادة .. لقد صارت البلادة والغباء هبة كبيرة من الله لعباده في زماننا هذا ’ فقد اختلطت الأمور وصار عصياً علي الواحد منا أن يفرق بين الصالح والطالح , أو يجد سببا موضوعيا واحدا لتفوق الغباء وانتصاره علي العقل ’ أو يرسم طريقا للباحثين العقلاء يحدد أوله الذي يقود الي آخره.
أقول ذلك , وأنا أؤكد أن المثقفين في بلادنا لم يوحدوا شعوبنا بل زادوا الطين بله ’ والبعد فرقة , وقطعوا الأوردة المتهتكة ولم يضمدوها , وارتكبوا من الحماقات ما لم تفعله ذخائر العدو فينا.
أقول ذلك , وأنا أعلم أن المثقف محارب ومنبوذ في بلادنا , بينما يرتدي المخبرون كل أوشحة المعرفة والمال والنفوذ.
*****
محيط 2يناير 2010
من هنا تنشأ  العشوائيات فى المدن الجديدة
"الجنيه غلب الكارنيه "لا أدري كيف لم اعر تلك المقولة اهتماماً من قبل حينما كنت أسمعها من بعض العامة والنسوة لاسيما في مركبات النقل الجماعي والأسواق وأمام المصالح الحكومية.. بصراحة كانت تمر هذه العبارة علي أذني مرور الكرام وكنت أظنها مجرد "هرتلات" لأناس ندرت حيلتهم وضاقت مداركهم لكنني وفي أول اختبار لي مع المصالح الحكومية المصرية رحت أستعير تلك العبارة التي اكتشفت أن قائليها كانوا الأعمق فهما والأوسع إدراكاً من هؤلاء المثقفين الذين تقوقعوا في عالم تنظيراتهم العاجي وراحوا يرتفعون عن الأرض حتي تلاشوا في السماء .
ولا أخفيكم سراً أن ثقة في النفس سيطرت علي بدون وجود ما يعززها واعتقدت – جهلا - أنني استطيع أن اقضي مصالحي في الجهات الحكومية دون اللجوء لدفع "المعلوم" وذلك اعتمادا علي ما حباني به الله من - لا مؤاخذة – كارنيه ولا شيء سواه إلا عفة في النفس وما تيسر من الإطلاع.
وكان احد معارفي يقطن في التجمع الثالث بمدينة القاهرة الجديدة وذات يوم فوجيء بصاحب المحال التجارية الواقعة أسفل مسكنه في الطابق الأرضي يقوم بتركيب "مظلة" حديدية عملاقة تمتد بنحو الثلاثة أمتار للأمام وبامتداد نحو العشرين مترا عرضا أمام محله الأمر الذي حجب عنه رؤية الشارع بالأسفل وحرم زوجته من الانتفاع ب"البالكونة" خاصة انه لم يثبت تلك المظلة بمحاذاة سطح سقف محاله بل ارتفع بنحو الستين سنتيمترا في حدود مسكن صاحبنا الذي استعان بي ظنا منه أنني قادر علي رد مظلمته .
في الواقع لم اكترث كثيرا بهذه المشكلة واعتقدت أنني بمجرد التقدم بمذكرة بذلك إلى إدارة التنمية بمجلس المدينة فإنها لن تتواني في تنفيذ القانون لاسيما أنني كنت اعتقد أن اللوائح الخاصة بالإشغالات والعشوائيات في المدن الجديدة شديدة الصرامة وذلك علي حد علمي "التنظيري" وذلك لأن المنطق يقول أن الدولة تريد الاحتفاظ بالمدن الجديدة المحيطة بالقاهرة كمناطق حضرية وأنها لن تسمح بتكرار أخطاء القاهرة القديمة.
وتقدمت بالمذكرة فمر شهر تلو الشهر"نحو العام" والتقرير تلو التقرير حتي وصل اجمالي التقارير إلى ثلاثة تقارير ازالة ولكن لم ينفذ منها تقرير واحد بل إنها لم تذهب أصلاً الي شرطة الاشغالات في حين سجلت الارقام السابقة واللاحقة لها , وحينما شكوت الي المسئولين بوزارة الاسكان وبجهاز المدينة وحاولت الاستعانة ب"الكارنية" - لكوني صحفياً – تم حل المشكلة حلا حاسما ونفذت قرارات الازالة الثلاثة ولكن علي الورق فقط !!! فشكوت للمهندسين من عدم التنفيذ الفعلي فاذا بهم يطلبون مني كتابة مذكرة أخرى وذلك حتي نستمر ديمومة التقارير والعروض والخبراء ثم بعد كل ذلك ينفذ كسابقه علي الورق.
وعرفت بعد ذلك أن صاحب تلك المحال رجل ثري يمتلك نحو الخمسين مسكنا ومحلا في تلك المنطقة وانه زار مرة واحدة فقط إدارة التنمية في بداية المشكلة وتم المراد .
الأمر المدهش أن تلك التجربة شجعت صاحب محل في العمارة المجاورة لارتكاب مخالفات مماثلة بل إنه لم يكتف بأنه يقوم بمزاولة نشاط الجزارة بدون ترخيص بل انه قام بإنشاء مظلة تمتد لأكثر من أربعة أمتار تتخذ شكلا في غاية القبح وزاد علي ذلك بأنه قام بتحويل الجزيرة الواقعة بين الطريقين إلى "زريبة" فضلا عن قيامة بتلويث البيئة بروث الحيوانات والدماء حيث يقوم بالذبح خارج السلخانة والانكي انه يقوم باستعمال الخبز المدعوم كعلف للحيوانات بالإضافة إلى يخلط اللحوم الطازجة باللحوم المجمدة المستوردة رخيصة الثمن وذلك تحت مرأي ومسمع موظفي جهاز المدينة والصحة وشرطة الإشغالات الذين يتوافدون عليه كل أسبوع .
وشجع هذا الوضع جزارا آخر للإقتداء بالجزار الأول وراح يلوث البيئة بشكل فج وانتهز شخص ثالث هذا التردي فراح يقيم معرضا لبعض المنتجات الأسمنتية في الجزيرة التي بين الطريق وقلده آخرون وتحولت منطقة القطامية الي منطقة عشوائية.
هذه مجرد نماذج تبرهن لمقولة "الجنيه غلب الكارنيه " وليته غلبه فقط بل إنه استخف به وأهانه وكشف عن خلل عميق ينتصر للباطل رغم جهله وجوره ويهزم الحق رغم مشروعيته وعقلانيته وثقافته ويحشره في أفق ضحل أقل بكثير عما ينبغي استغلاله فيه.
*****
شبكة المنصور 20 اغسطس 2011
غوغاء الرماحى ..ومنطق الكاوبوي
رغم الردود والرسائل بل والمكالمات الهاتفية التى وصلتنى من تونس والأردن والسعودية والعراق ومصر تنصحنى بعدم الانجراف وراء الرد عليه والوقوع فى فخ الرد والرد المضاد مما يمنحه شرف محاورة العقلاء ,إلا أننى وجدت نفسى فى حاجة ماسة لأن اكتب لأعرى مزاعم طالب الرماحى وأبين بلادة تفكيره وضعف حجته خاصة أنه تهجم بسفه اعتدناه من إتباع الكاوبوى الأمريكى على مفكرين مشهود لهم بالنزاهة والنضال والوطنية والثورية أمثال الأساتذة عبد البارى عطوان وعامر العظم وعلى حمدان وصلاح المختار وعبدو المعلم وضياء الجبالى ومحمد نجيب صهيونى - هذا اسمه الذى ينافى صفته - وآخرين , ولأن المعركة أساساً كانت تخصنى وجب على أن أدلو فيها بدلوى فيها.
فأمثال الدكتور طالب الرماحى ممن جاءوا منبطحين على بطونهم فوق الدبابات الأمريكية ودخلوا بها عاصمة الخلافة العباسية وحاضرة الرشيد , لا يمكن أن يكون لهم ولاء الا لمن أتى بهم بعدما سباهم وجعلهم ونساءهم رهن إشارته يوجههم أينما توجه ويفعل بهم كما يفعل السيد فى متاعه من عبيد وجوار.
والحقيقة أننى لا أدري فى أى علم حصل الدكتور طالب الرماحى على الدكتوراه , أم تراها مجرد شهادة من نحو 80 ألف شهادة علمية مزيفة أسبغ “الكاوبوى” بها على رجاله بعدما اكتشف أنهم جهلة ومن محدودى الثقافة فراح يحتال حتى يصدق الناس هراءهم , رغم أن عشرات الرسائل من العراق ومن لندن أيضاً وصلتنى تؤكد أنه راسب فى الثانوية العامة ولا مؤهل علمى له , وعلى أى حال سواء كان ذلك صحيحا أم كذبا , إلا أن هناك حقيقة راسخة وهى أن الشهادات ليست برهانا على الفهم والثقافة ولا تعنى نضجا فكريا كما فى حال صاحبنا.
ومن مظاهر الهراء فى آراء - أو ردح- الرماحى أنه اعتبر حبنا للعروبة نقيصة فينا تأتى فى إطار العشق الحرام , ولو كان الأمر كذلك لصار الرماحى يسب الرسول الكريم الذى سأل سلمان الفارسى : أتسبنى يا سلمان ؟ فقال سلمان مستنكرا: وكيف أسبك وأنت رسول الله؟ فقال الرسول : تسب العرب فتسبنى؟ كما أن الأحاديث النبوية فى حب العرب متواترة كقوله صلى الله عليه وسلم ” أحبوا العرب لثلاثة , لأننى عربى ,والقرءان عربى , وكلام أهل الجنة عربى , وكذلك قوله تعلموا العربية وعلموها الناس فإنها لسان الله الناطق وكذلك قوله حينما خلق الله الخلق اختار مكة ومن مكة اختار بنى هاشم ومن بنى هاشم اختارنى فأنا خيار من خيار”.
ورغم علمى انك لا تؤمن بسنة نبيي إلا أن ما أردت قوله من ذلك أن عروبتى هى جزء من إسلاميتى ولها قداسة قد توازيه ,ولذلك يا رماحى فحينما أهيم شوقا بعروبتى فذلك يعنى حبا للرسول وإسلامى الذى نشر ثقافتنا العربية وجوَّدها وهو كذلك يعنى اعتزازى بانتمائي إلى أجدادى وجذورهم الضاربة فى الأرض , كما أن ذلك لا ينتقص أبداً من الآخرين .
ثم إنك يا رماحى أخذت على حبى للشهيد صدام حسين وقمت مدفوعا بغل دفين فيك ان كتاب البعث العراقى هم من زينوا صورته عبر منتدياتهم ومواقعهم , ولم تسأل نفسك لماذا فشلت حملة تشويهه وأنتم تملكون مئات الفضائيات بالإضافة إلى كل الإعلام الغربى الذى يناصبه العداء وصرف “شوارتسكوف” نحو 500 مليار دولار لصنع ذلك ولكنه فشل ؟ كما نسيت أيضاً أننى مصرى , أى أننى من البلد الذى عاش نحو 20مليوناً من أبنائه ” 4 ملايين سنويا” فى العراق وعادوا جميعا يشيدون بعدالة وحازمية الرجل مقارنة باستبداد مبارك وفوضويته , والجميع أدرك أن فكرة العدالة كانت أهم مليون مرة من فكرة الحرية الببغاوية التى أرسى لها المغبون مبارك الذى تدافع عنه.
ولأنك يا رماحى حينما لم تجد منطقا تزين به غيك رحت تتهمنى أننى من رجال مبارك وأنك لم تسمع بى من قبل , ومع أن عدم سماعك بى مسألة تخصك وتخص إطلاعك , الا اننى لو كنت حقا كما تدعى لكنت بالفعل سمعت عنى أقول هراء وغياً عبر الفضائيات المصرية وأكبر صحفها , وأود أن أخبرك يا رماحى وأزود معلوماتك الناقصة بل والمنعدمة اننى اعتقلت حينما كنت طالبا فى الثانوية العامة عام1990 أثناء مشاركتى فى مظاهرات الاحتجاج ضد ضرب العراق , ثم اعتقلت فى الكلية عام 1992 أثناء مظاهرات اتفاقية مدريد وتم منعى من دخول الامتحانات حتى لا احصل على التقدير الذى يجعلنى احمل حرف “الدال” ثم أصدرت روايتى الأولى عام 1997 وتحمل اسم “زمن السقوط” وتدور أحداثها عن سلخانات أمن الدولة كما تضمن ديوانى الشعرى ” أشعار مارقة” والذى منعت أمن الدولة توزيعه عام 2005 أشعاراً وقصائد تهاجم مبارك شخصيا وتنتقد التوريث.
ولكى لا أطيل عليك - لأننى لا أحب أن أزيد وأزبد - إننى مشفق بشدة على المفكرين العراقيين الحقيقيين من بطش “مالكك” و”سيستانك” وجهابذة ”أسيادك الكاوبوى” و”الصفويين” وأقول إننى لو كنت مواطناً عراقيا الآن لقتلت على الفور وأسرتى عن بكرة أبيها .
أليست هذه هى الحرية التى تتشدق بها يا طالب فى “عراقك” الجديد بعدما جئتم بها من خلال طائرات المارينز وقتلتم قرابة مليونين و350 الف شهيد وأصبتم نحو 5 ملايين وشردتم نحو 4 ملايين آخرين ” وهذه معلومات وليست كلاما لفض المجالس - كما نقول فى مصر - وهى منشورة فى مواقع غربية أمريكية وفرنسية وروابطها موجود فى مقال لى بعنوان “ماذا تبقى من العراق ليحكمه المالكى” .. إنكم يا طالب تثيرون اشمئزاز أحرار العالم .. ولا يمكن لأحد أن يطفىء نور الشمس , لأنه قادم.


الاسبوع 21 نوفمبر 2011
إنها هى .. نظم "بوش " المارقة
هل تتذكرون الإطلالة المشئومة للرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش فى أعقاب أحداث ١١ سبتمبر متحدثًا عن الدول المارقة فى عالمنا العربى قاصدًا تلك الدول التى "مرقت" عن الحظيرة الأمريكية؟ هل تتذكرون وهو يحدد 80 نظامًا للحكم فى العالم قائلاً إن أمريكا وحلفاءها الغربيين سيعملون على إزالتها من أجل حفظ ما أسماه السلام العالمى وأمن أمريكا وحلفائها لاسيما إسرائيل؟ ألم يسم الرئيس الأمريكى نظم الحكم فى العراق وسوريا وليبيا واليمن والجزائر والسودان وموريتانيا وحزب الله وحماس وإيران وأفغانستان والصين وكوريا الشمالية؟ ألم تجرب الولايات المتحدة التدخل العسكرى المباشر فى العراق وأفغانستان فقتلت الملايين من أبنائهما ولكنها فى المقابل منيت بخسائر مادية وبشرية مرتفعة وضعت سمعتها العسكرية والمالية والأخلاقية على المحك رغم ما تكشف عن إنفاق وزير الدفاع السابق شوارتسكوف قرابة مائة مليار دولار من أجل شراء ذمم وسائل الإعلام فى العالم أجمع وخلق أكبر دعاية سوداء عرفها التاريخ ضد النظام العراقى عام ٠٩٩١؟ ألم يرهق الجزار الأمريكى من أعمال القتل والسلخ فراح يتبع أساليب التفتيت واللعب من وراء الكواليس فشطر السودان إلى جزئين وما زالت عمليات الانشطار تتوالى فى الولايات السودانية ثم فوجئنا مؤخرًا بوصولها إلى القلب حينما أعلنت مجموعات مجهولة تشكيل مجلس "ثورى" للإطاحة بنظام الخرطوم؟ إذن.. لماذا لا نعتبر "الثورات" فى ليبيا وسوريا واليمن هى استكمال لمخطط القضاء على النظم "المارقة" واستبدالها بنظم موالية خاصة لو وضعنا فى الاعتبار ما ذكره الرئيس الروسى مؤخرًا ميدفيدف أن الناتو يسعى لبناء أكبر قاعدة عسكرية له على السواحل الليبية؟ وبمناسبة الحديث عن القواعد العسكرية الأجنبية فى عالمنا العربى يجب أن نتساءل عن السبب وراء انفجار تلك الثورات فى الدول العربية التى لا تستضيف قواعدًا أجنبية، لا فرق بين غنى وفقير بينهما، أو وجود حالة متضخمة من الاستبداد فى نظم حكمها أو عكس ذلك.
حينما بدأ الحراك العربى يبزغ فى الأقطار العربية.. تخلى الكثيرون من المعنين بالشأن العام العربى عن رؤيتهم القطرية والفكرية وسارعوا بالانخراط فى صفوفه.. وهيئ للجميع أن حلمًا طال انتظاره فى دولة عربية موحدة وقوية ورائدة وعادلة أصبح قاب قوسين من التحقق.
وخيل إليهم- وأحسب نفسى واحدًا منهم- أنه للوصول للهدف المنشود عقبات لابد من تخطيها واحدة تلو الأخرى دونما اختيار أو مراوحة أو مفاضلة، ومن تلك العقبات القضاء على الاستبداد الذى لا يمكن أن يتحقق دون القضاء على الهيمنة الخارجية وما يتلوها من قوانين تضمن العدالة وتحث على الفضيلة والخصوصية واستعادة روح المبادرة والسبق.
وقد عززت الثورتان المصرية والتونسية هذا الخيال، وأقول خيال لأنه لم يسر على تلك العمومية فى جميع الأقطار، بل راحت الثورات تنتقى بين دولة وأخرى، ونظام وآخر، الأمر الذى فاضل بين شيطان وشيطان مع أن الجميع يستحقون الرجم.
الصورة واضحة للغاية، يدركها من له أدنى بصيرة، فالولايات المتحدة أرادت من تفجير تلك الثورات أو تصنيعها فى عالمنا العربى أمرين اثنين الأول هو "ترميم" وليس "تغيير" نظم حكم مستبدة موالية لها كانت قد أوشكت على التداعى وهو ما حدث فى مصر وتونس..
أما الأمر الثانى فهو "تصنيع" ثورات تحت مجهر إعلامى مكثف ومتعدد الزوايا يركز على الأخطاء دون المزايا ويصنع الحدث من العدم، ويلعب على معضلة الجدل السياسى لدى قطاع كبير من شعبنا العربى الذى لا يستطيع أن يميز بين الغث والثمين والثورة والمؤامرة، مستخدمًا فى ذلك حسن نيته، رغم أن الرسول الكريم يقول- فيما معناه- إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
ولعل اتباع الولايات المتحدة هذا الأسلوب فى التخلص من خصومها لم يكلفها أى خسائر لا فى الجنود ولا فى الأموال بل إنها هى الرابح الوحيد بين القاتل والمقتول من بنى جلدتنا، حيث راحت تصادر الأموال المجمدة فى البنوك لتنتشلها من إفلاس وشيك فضلاً عن إنها كسبت أصدقاء جددًا وآبار نفط جديدة تؤمن لها حاجات نهضتها النفطية بالإضافة إلى أنها "حسَنّت" من وجهها القبيح لدى "عوام" العرب وسوقتهم الذين بدءوا يؤمنون بشرعية الاستعانة بالأجنبى فى أزماتهم الداخلية وهو ما يخالف الإسلام وشريعته جملة وتفصيلاً.
وليت ذلك فحسب بل دارت ماكينات تصنيع الأسلحة لديها ولاقت رواجًا كبيرًا مرتين: الأولى وهى تبيع الأسلحة التى تهدم بها النظام المراد إزالته والثانية وهى تؤسس لجيش النظام الجديد الذى ستنصبه فى السلطة.
وفى هذا الصدد وجب أن نذكر أن طيارًا عراقيا ذكر فى لقاء أجرى معه أنه إبان أحداث غزو العراق ٣٠٠٢ صعد إلى طيارته الحربية للتصدى لفوج من طائرات الاحتلال إلا أن الطائرة لم تتحرك بتاتًا ولم يلبث أن جاءه أمر القيادة بالهروب من الطائرة فورًا وما أن تركها حتى انفجرت وذلك لأن لكل طائرة أو صاروخ أو أى سلاح غربى مهم »شيفرة« تحتفظ بها الدول البائعة للسلاح باستخدامها عبر الأقمار الصناعية يجرى تدميرها ذاتيا بمجرد إدارة »المحرك« ونشرت مواقع غربية أن الأسلوب نفسه تم استخدامه مع السلاح الليبى الفتاك حيث دمرت كل مخازن الصواريخ سام ٩ آليا قبل أيام من اعتقال العقيد معمر القذافى فى ركب عسكرى فى سرت وتسليم الأمريكان إياه لثوار مصراتة بحسب صحيفة "صنداى إكسبريس" الأمريكية.
وقد يقول قائل إننى اتهم الثورة المصرية بأنها ثورة أمريكية تهدف لتغيير نظام مبارك الماسونى، قطعًا أنا لم أقل ذلك ولكن أؤكد أن الثورات الحقيقية فى عالمنا العربى تمثلت فى الثورة المصرية والتونسية ولكن ما أرادته أمريكا من الثورة المصرية فقط هو تفريغ "بالون" الغضب ضد مبارك الذى أوشك على الانفجار عبر إزاحته معززًا مكرمًا مشكورًا بأمواله المسروقة من الشعب وتبديله بحاكم آخر، إلا أن الغضب المصرى كان أكبر مما خططه له الأمريكان ورجالهم فى الداخل والخارج.
لست أدرى لماذا كلما بحثت فى وعى الناس الجمعى تذكرت أحاديث الرسول الكريم حينما قال- فيما معناه- إنه فى آخر الزمان سيقتل المسلمون المسلمين وكلاهما يهتف الله أكبر، وقوله "ص" للمسلمين إنه سيكون أشد أعداء المسلمين منهم يرتدون زيهم وينطقون بلغتهم ويصلون خمسهم ويصومون شهرهم وقوله أيضًا عن أنه سيكذب فيه الصادق ويَصَدُقُ فيه الكاذب ويفتى فى أمور العامة الرويبضة.
صدقت يا حبيبى يا رسول الله.. صدقت يا رمز العروبة والإسلام
*****
الاسبوع 28 نوفمبر 2011
فزاعات الثورة .. والدعم الربانى
رغم كل محاولات إجهاضها .. إلا أن الأحداث على الأرض تؤكد أن شعب مصر لايزال مصرا على التغيير الشامل , التغيير الذى لا يقنع بتبديل الوجوه والإبقاء على السياسات , لا يقنع بعمليات "ترميم " نظام مبارك وليس إزالته, التغيير الذى لا يمكن أن يظهر معه من يتهم الثوار بأنهم خونة ينفذون أجندات الخارج , وأنهم قلة مندسة تتلقى دعما ماليا من أعداء الوطن وهم لا يعبرون عن الشعب المصري وكأنهم كائنات فضائية هبطت من السماء.
الثورة مستمرة رغم كل محاولات الترويع والتخويف والتخوين عبر اللعب على ثلاثة محاور من أجل عزل الثوار عن الشعب مستغلين فى ذلك انخفاض وعيه السياسى , وهو الانخفاض الذى نجم جراء سنوات طوال وخطط مدروسة لتحويل الإنسان المصري إلى كائن بيولوجى يفكر بغرائزه ومعدته وليس بعقله.
ومن المحاور التى راح القائمون على أمر إجهاض الثورة إتباعها "مسألة تخوين الثوار" والادعاء بأنهم مأجورون جاءوا لاستهداف مصر والانحياز لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة مصر , وهو ذات الأسلوب المتبع إعلامياً فى عهد مبارك حينما اتهم الملايين فى ميادين مصر بالعمالة للخارج وتلقى وجبات "كنتاكى" وأنه لن يسمح إزاء ذلك التأمر بتسليم مصلحة البلاد العليا لإسرائيل .
وما أن سقط مبارك حتى صار مؤكدا أن مبارك لا الثوار هو من كان عميلا لإسرائيل وأمريكا , وأن الخراب الهائل الذى لحق بكل مناحى الحياة فى البلاد بطريقة لم تكن تطمح لتحقيقها حتى إسرائيل جاء جراء سياساته .
نجحت الثورة فى خلع مبارك إلا أنها لم تخلع رجاله ومناهجه , حيث راح القائمون على امر البلاد يتبعون نفس النهج فى تخوين الثوار بل وراحوا يضيفون مؤثرات جانبية تؤكد مزاعمهم.
بدأت تلك المؤثرات بافتعال أحداث السفارة الإسرائيلية بما سبقها من دعوات لاقتحام الحدود المصرية - الفلسطينية فضلا عن التفجيرات المتكررة لخط الغاز المصرى المؤدى لإسرائيل.
ولعل الهدف من وراء تلك الأحداث محاولة إيهام "عامة" الشعب بأن "الثوار"بسوء نية منهم يسعون لإشعال حرب مع الكيان الصهيونى , وهى الحرب التى لم نكن قد اعددنا لها العدة وقطعا سنخسرها.
يترافق مع تلك الأحداث إلقاء القبض على جواسيس "وهميين"فى ميدان التحرير جاءوا لتحريض الثوار على التخريب , وقد بدأ ذلك السيناريو عبر اعتقال ما وصفوه بأنه جاسوس اسرائيلى يدعى جرابيل متهمينه بأنه كان يحرض الثوار على التخريب , وقد بدا جرابيل فى الصور التى التقطت له وكأنه يقول للشعب أو من يصوره " أنا جاسوس اسرائيلى جئت لتخريب مصر مع الثوار " وراحت وسائل الإعلام تزيد وتزبد فى تفاصيل وأهداف تواجد هذا الصيد الثمين فى الميدان.
 وبعد كل هذه الدعاية التى تهدف الى تشويه سمعة الثوار تم تسليم الجاسوس المزعوم إلى إسرائيل فى مقايضة مع عدد من المسجونين المصريين "جنائيا " فى سجون اسرائيل , الأمر الذى القى بظلال من الشك الكثيفة حول الحادث برمته لأن الموساد الاسرائيلى الذى اخترق بحرفية عالية معظم أنظمة الحكم فى العالم العربى أو الاسلامى لا يمكن أن يكون رجاله يكل تلك السذاجة التى تجعلهم يحضرون لالتقاط الصور التذكارية فى ميدان الثورة الرئيسى , تلك الثورة التى جاءت للإطاحة بصديق إسرائيل وأمريكا الاستراتيجى .
ومن الأمور الأخرى كذلك الخبر المدهش الذى تناقلته الفضائيات والصحف عن قيام طائرة عسكرية مصرية باقتحام الأجواء الإسرائيلية وحلقت حوالى 24 دقيقة فوق مفاعل ديمونة النووى , وهو خبر مع حجم سذاجته يثير التهكم من أمر الذين أطلقوه .
وتلى ذلك أخبار تناقلتها الصحف والفضائيات عن أن إسرائيل تسعى لشن حرب ضد مصر خلال الايام المقبلة , ولعل هذا الخبر وسابقه مجرد اخبار وجهت لعامة الناس من الأغلبية "المغيبة" دون نخبتهم تهدف لاثارة خوفهم من انفجار الحرب , وبالتالى رفض المظاهرات المطالبة باستكمال الثورة بحجة إعطاء الجيش الفرصة لحماية امن البلاد الخارجى , رغم أن الثوار يطالبون المجلس العسكرى بتسليم السلطة للشعب وتفرغه لمهمته الأساسية فى حفظ امن مصر الخارجى دون التدخل فى الشأن الداخلى .
وثانى المحاور التى يتم تصنيعها واستغلالها للحيلولة دون استكمال الثورة هو محور الأزمة الاقتصادية ويتم ذلك عبر التركيز على أخبار الخسائر وانهيار البورصة وكساد السياحة والكساد والتضخم وأزمات الوقود والخبز واتهام المظاهرات بالوقوف وراءها , رغم أن القائمين على حكم البلاد لا الثوار هم أيضاً المتسببون فى تفجر تلك الأزمات عبر رفضهم المتكرر تنفيذ مطالب الثورة او تنفيذها بصورة باهتة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وآخر هذه المحاور الثلاثة محور الانفلات الأمنى وهو المحور الذى يتم خلاله التلويح باستهداف الأمن الشخصى لكل مصري جراء حالة الفوضى التى تجتاح الشارع الآن , وإلقاء المسئولية كاملة خلف الثورة والمظاهرات .
ويتمثل نشاط هذا المحور فى إطلاق يد البلطجية فى كل شبر فى مصر دون حسيب أو رقيب مع التعلل بأن الوهن الذى لحق بالداخلية كان جراء الثورة والثوار وهم يتحملون المسئولية , يأتى ذلك رغم انه لو صدقت النوايا لتم اعتقال هؤلاء البلطجية والخارجين الذين صاروا بقدرة قادر أكبر تنظيم خاص مسلح فى مصر فى مدة أقصاها أسبوع أو أسبوعين نظرا لأنهم – أى البلطجية- مسجلون ومعلومو البيانات والعناوين والجرائم التى ارتكبوها.
أنا فى الحقيقة لا أتهم المجلس العسكرى بالتآمر على الثورة بقدر ما أننى أنبهه إلى خطايا نجمت عن سوء تقدير فى حساباته , خطايا أوشكت أن تدخل البلاد فى نفق مظلم , خطايا قد لا تكون مقصودة – وهذا وارد – ولكنها وفرت للقوى المضادة للثورة وهم كثيرون ملاذا آمنا للنفاذ منه إلى ربوة التل وذروته, وحرمان الشعب من جنى ثمار أشجار روتها دماء الشهداء فى ميادين مصر فى تحقيق العدالة والمساواة وتوقف اللصوص الفورى عن "حلب " البقرة الحلوب دون سواهم .
المجلس العسكرى وهو يرأس مؤسسة لا يكن لها المصريون إلا كل احترام وتقدير لم يكن ثوريا بنفس تلك الثورية التى طمح إليها الثوار, وما بين هذا وذاك – والشيطان عادة يكمن فى التفاصيل – تسلل الشك إلى القلوب , وظهرت الفوارق بين الثوريتين , الثورية الشمولية التى تريد التخلص للأبد من كل ما يمت للقديم , والثورية التى تسعى للتخلص من عالم الشخوص دون الأفكار , من هنا نجمت ثورة التحرير الثانية.
رغم هذا , نقول إن ثورة صنعها الله لا يمكن أن تقف أمامها قوة بشرية , وأى محاولات لإجهاضها ستؤل للفشل كما آلت المحاولات السابقة وان الله يؤيد مصر ولو كره الفاسدون.



فهرس الكتاب

                          الموضــــــــوع  
الصفحة



هذا الكتاب
5


الفصل الأول
الثورة .. إرهاصات ونتائج
7


الفصل الثانى
الثورات العربية بين المطالب المشروعة .. والمؤامرات
53


الفصل الثالث
مخاطر حول الأدمغة العربية
99


الفصل الرابع
هموم الوطن
133

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق